علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

الاقتصاد ثانياً

شاهد العالم العربي بأسره حملة اللقاح التي شهدتها السعودية أواخر الأسبوع الماضي. ونقلت شاشات التلفزيونات - أو «الرائي» كما أطلقت عليه مجامع اللغة العربية - الحملة التي انطلقت لتُطعم مواطنة ومواطناً ومقيماً، ليكون من يتلقى التطعيم الرابع معالي وزير الصحة السعودي توفيق الربيعة، ليصبح قدوة حسنة لغيره، وليبدع في الصحة كما أبدع في التجارة، دون أن يهضم ذلك حق من تلاه، هنا يبرز سؤال مهم: لماذا تلقى وزير الصحة التطعيم؟
لأن الجدل كثر حول لقاح «كورونا»، وهل له مضاعفات خطيرة أم هو آمن؟ للأسف تصدى لإجابة السؤال غير مختصين خوفوا الناس من اللقاح، بينما أكد المختصون أن اللقاح آمن. ورغبة مني في التأكد من نجاعة اللقاح توجهتُ بالسؤال إلى أخي وصديقي البروفسور والباحث الدكتور عادل بن عمر المقرن، وهو متخصص في علم الجينات، فشرح لي شرحاً وافياً المراحل التي مر بها إيجاد اللقاح، ومراحل فسحه، وحرص الشركات المنتجة على تبيان الأعراض الجانبية للقاح، حتى لا تقع تحت طائلة القانون، وفي الأخير أكد لي أنه سيأخذ التطعيم، مما يعني قناعته به كمختص، وهذا يقنعني بأن أكون من المبادرين لأخذ اللقاح.
الحملة السعودية للتطعيم ضد «كورونا» أثبتت أن السعودية حريصة على مواطنيها والمقيمين بها منذ بداية الأزمة، عبر تشديد أنظمة الحجر، إلى تقديم لقاح «كورونا» للجميع مجاناً. ومنذ بداية الأزمة أدركت السعودية أن المسار الصحي والمسار الاقتصادي متلازمان، فأدارت أزمة النفط باقتدار، وساعدت الشركات والمنشآت عبر حزمة إجراءات كان من بينها - على سبيل المثال لا الحصر - تحمل جزء كبير من راتب موظف القطاع الخاص أثناء أزمة «كورونا».
هنا يواجهنا سؤال: لماذا حرصت السعودية على أن تكون من أوائل الدول التي تُحصن مواطنيها ضد «كورونا»؟ لأنها تدرك أنه متى تم تحصين الإنسان فإن الفيروس ستخف حدته، كما أن المحصن ضد «كورونا» سيكون عنصراً فعالاً في الاقتصاد، إذ يمكنه المخالطة دون حذرٍ أو خوف، وإن كان الحذر المعتدل واجباً حتى مع أخذ التطعيم.
تطعيم أعداد كبيرة من الناس في السعودية سيجعل الحياة تعود إلى سابق عهدها، وسيسمح بحرية الحركة وعودة النشاط المالي بجميع أوجهه؛ سواء كان زراعياً أو تجارياً أو صناعياً أو غيره.
هذا بالنسبة للداخل، أما بالنسبة للخارج فلا بد من أن تحصن الدول أكبر عدد من مواطنيها، وهذا ما سيحدث فعلاً، ولكن تتبقى دول عربية وغير عربية غير قادرة على تأمين اللقاح لكل مواطنيها، وهنا يأتي دور المنظمات الصحية العالمية والدول الغنية في تأمين هذا اللقاح في هذه الدول، حتى يتم القضاء على فيروس «كورونا»، فالعالم أصبح صغيراً ومتداخلاً، ولمحاصرة المرض يجب أن يتعاون جميع الدول فقيرها وغنيها؛ لأنه بمحاصرة المرض يمكن للاقتصاد وسلاسل الإمداد أن تعود لسابق عهدها، فالصحة أولاً والاقتصاد ثانياً، وإن كان البعض يرى أن المسارين متلازمان.
فالاقتصاد دوائر متداخلة ومترابطة يكمل بعضها بعضاً، ودون تحصين جل سكان العالم ستجد عجلة الاقتصاد مكاناً لم يُحصن يعيق حركتها عن الدوران، لهذا ستجد الدول القادرة نفسها مضطرة لمساعدة الدول الأقل غنى لتحصين مواطنيها حتى تسمح لعجلة الاقتصاد بالدوران. ودمتم.