خليل رشاد
كاتب ومحلل سياسي مصري
TT

قصة صلاة غريبة بمؤتمر الوحدة الإسلامية في طهران

من الغريب ألا يصلي السنة والشيعة في مكان واحد معا، في الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الوحدة الإسلامية، الذي أقيم في 5 يناير (كانون الثاني) 2015.
تخيل أن نشهد في الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الوحدة الإسلامية مظهرا للاختلاف والفرقة.
ما السبب الرئيسي لهذا الاختلاف؟ الإجابة بسيطة: طريقة الصلاة دليل على وجود اختلاف؛ لكن بصراحة لا يتعلق الأمر بالصلاة فقط، بل إن المشكلة لا علاقة لها بالصلاة بالأساس. الجهل المطبق والعجرفة الشديدة هما السبب في هذه الفرقة، فقد جاء في القرآن «ويل للمصلين» لا «ويل للصلاة».
وكما نعلم جميعا أن جوهر الصلاة هو الحب والاتصال بالله. والصلاة هي الجسر الإلهي الذي يجمعنا بالله وبالناس. ويعني هذا أن علينا تجنب الأنانية، والتمركز حول الذات، وننسى أنفسنا أثناء الصلاة. لهذا يقول الشيخ الصوفي البارز محمود الشبستري في كتابه «گلشن راز» (حديقة الغموض): «كيف تكون صلاتك صلاة حقة لو لم تفقد كل ذرة من كيانك. كيف ستكون صلاتك صلاة حقيقية؟».
وعندما نركز على الشعارات والكلام الدعائي من جانب، تظهر الحقيقة على الجانب الآخر، وبالتالي نرى بعدا آخر من الحقيقة. وينبغي الوضع في الاعتبار هذه الصورة التي توضح حقيقة الاختلاف والفرقة.
إن حقوق المسلمين السنة محدودة طبقا للقانون الدستوري في إيران. على سبيل المثال، إضافة إلى المرشد الذي يجب أن ينتمي إلى الطائفة الشيعية، يجب انتخاب الرئيس الإيراني من الشيعة، وهذا يجعل كل شاب إيراني من المسلمين السنة ويعيش في إيران يشعر أنه لا يستطيع أن يصبح رئيسا في بلده. وطبقا لهذا الدستور، يجب أن يكون الرئيس، الذي يشغل أهم منصب في البلاد بعد منصب المرشد الأعلى للجمهورية وتتحدد فترة رئاسته بـ4 سنوات، مسلما شيعيا. ويعد هذا مبدأ غير مبرر لأن ملايين السنة في إيران يشعرون أن حقوقهم المدنية والسياسية محدودة. كذلك يعانون من التهميش لكونهم ينتمون إلى الأقلية قلبا وعقلا.
فضلا عن المرشد الأعلى والرئيس، يجب أن يكون رئيس القضاء مسلما شيعيا أيضا. هذه هي الحقائق التي نجدها على أرض الواقع؛ لكن إقامة صلاة منفصلة ظاهرة جديدة. لحسن الحظ، كان هناك شخص تطرق إلى هذا الأمر المثير للقلق. علي مطهري، عضو في مجلس الشورى الإسلامي الحالي (البرلمان)، وابن آية الله مطهري، الفيلسوف الإسلامي البارز وأحد مخططي الثورة الإسلامية في إيران والذي لقي حتفه على أيدي جماعة الفرقان المتطرفة عام 1979. كان لعلي مطهري خطاب مهم أمام البرلمان الإيراني تحدث فيه بشجاعة وصراحة عن حق الإخوة والأخوات من المسلمين السنة في أن تكون لهم مساجدهم الخاصة في طهران. وعندما تحدث عن موسوي وكروبي، قاطعه نواب متطرفون، وهاجموه، ومزقوا أوراقه، وأصابوه في يديه ومنعوه من الاستمرار. وتحدث مطهري عن وضع موسوي وكروبي رهن الإقامة الجبرية حين كان هذا واحدا من أكثر الموضوعات حساسية في إيران خلال الـ5 أعوام الماضية. وانتقد وضعهم رهن الإقامة الجبرية، موضحا أنه غير قانوني.
ومن الواضح أنه بذلك قد تخطى الخط الأحمر الذي رسمته السلطات، لكن رغم تعبيره عن آرائه الخاصة بوضع الأشخاص رهن الإقامة الجبرية في عدة مرات قبل ذلك خلال مقابلات وخطب، كانت تلك هي المرة الأولى التي يتحدث فيها عن هذا الأمر داخل البرلمان؛ ونتيجة لذلك، أصدر ممثل الادعاء العام بيانا أدان فيه ملاحظات مطهري.
على الجانب الآخر، عندما قرر بعض المسلمين السنة إقامة صلاة الجمعة في طهران يوم الجمعة الموافق 9 يناير، لم تسمح قوات الأمن لهم بذلك، ومنعتهم من إقامة أي صلاة جمعة. وإذا كنا نقبل حقيقة أن 10 في المائة على الأقل من سكان طهران من المسلمين السنة، فهذا يثير سؤالا مهما: لماذا ترفض الحكومة، والتي أعني بها هنا القيادة وقوات الأمن، السماح للسنة بأن يكون لهم مسجد خاص بهم، وبأن يقيموا صلوات يوم الجمعة؟
أعتقد أن الإجابة واضحة، فربما لأن الإخوة والأخوات السنة يصلون في المساجد أكثر من الشيعة. ويعني هذا أنه في حال أقام المسلمون السنة في طهران صلاة الجمعة، قد يصل عدد المصلين إلى عدد المصلين الذين يقيمون صلوات الجمعة الرسمية في طهران. وتعتقد قوات الأمن أن هذا قد يظهر النظام في صورة سيئة. على العكس من ذلك، أعتقد أنه إذا تمتع المسلمون السنة في إيران، خاصة في طهران، بحقوقهم كاملة، سيعود هذا بالنفع على إيران وسيجعل الدول نموذجا إيجابيا للعالم الإسلامي.
للأسف، نحن إزاء فجوة تثير القلق وتزداد اتساعا بين الشيعة والسنة في المنطقة. ولن يمكننا حل المشاكل ومواجهة الكوارث بالخطب والشعارات. والطريقة الوحيدة في معالجة تلك الأمور هي اتخاذ قرارات شجاعة. منذ عدة سنوات عندما قابلت مولانا عبد الحميد، الزعيم الحكيم للمسلمين السنة الإيرانيين، قال لي: «هل تتصور أننا أحيانا نواجه مشاكل بسبب صلاة؟».
وكان للماوردي، أحد كبار علماء المسلمين، كتاب شهير ذو قيمة بعنوان «الأحكام السلطانية». وذكر في الفصل الثاني من الكتاب الوزراء، وميّز بين نوعين من الوزراء: وزارة التفويض ووزارة التنفيذ. وأوضح أن من يعتنقون أديان الأقلية مثل المسيحيين واليهود والزرادشتيين يتم اختيارهم كوزراء تنفيذ. (الأحكام السلطانية الباب الثاني في تقليد الوزارة ص ).
منذ ما يزيد على ألف عام تحدث الماوردي عن دور المسيحيين واليهود كوزراء في الدولة الإسلامية. أما الآن وبعد مرور ألف عام، لدينا مشكلة في الصلاة بين المسلمين أنفسهم؛ فنحن لا يمكننا أن نتوحد في الصلاة.