طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

إنهم يسرقون الكاميرا!

أسدل مهرجان (القاهرة السينمائي الدولي) ستائره الخميس الماضي، ليفتح الستائر مجدداً مهرجان (قرطاج) في دورته الاستثنائية التي تبدأ الجمعة المقبل. (قرطاج) هو أقدم مهرجان عربي انطلق عام 66 بينما (القاهرة) 76. شاركت في أغلب الفعاليات؛ حضرت أفلاماً وأقمت ندوات، وهو ما سوف أحرص عليه إن شاء الله في مهرجان تونس الخضراء الحبيبة إلى قلبي.
حضور المهرجانات يعني حضور الحياة، لا يمكن أن أتعامل ببساطة مع مهرجان افتراضي أو مؤتمر نتبادل فيه الآراء عبر مثلاً تطبيق (زووم). أعلم أن الضرورات تبيح المحظورات، وحتى الملوك والأمراء والرؤساء في مختلف دول العالم صاروا يلجأون بين الحين والآخر للتطبيقات الافتراضية.
إلا أن المهرجانات لها سحرها الخاص، فهي تتنفس فقط مع الناس، والزحام هو أحد أوجه ملامحها، بيد أنه صار هو المناخ الذي ينشط فيه (كورونا)، ليصبح السياج الواقي لها هو ضرورة الالتزام بالإجراءات الاحترازية.
هل تغيرت ملامح المهرجانات الواقعية؟ تابعت مؤخراً (الجونة) الذي سبق (القاهرة) بنحو شهر ونصف الشهر، ووجدت أن الأفلام والضيوف والفعاليات تقلصت للنصف، بينما الفساتين والأسموكن والسجادة الحمراء ربما زادت إلى الضعف. صحيح أنك قبل أن تبدأ رحلتك على السجادة، تجد من ينبهك بضرورة ارتداء الكمامة، إلا أن أغلب الضيوف ومع وجود هذا العدد الضخم من كاميرات التصوير يسارعون مع أول خطوة على السجادة بنزع الكمامة (عشان الصورة تطلع حلوة).
لم ولن تختفي من المهرجانات أبداً ظاهرة سرقة الكاميرا، للحصول على (التريند)، وجدنا مثلاً في حفل ختام مهرجان (القاهرة) كيف أن المخرج الروسي رئيس لجنة التحكيم ألكسندر سوكوروف، قرر أن يداعب لبلبة أو لعله يعلن عن حقيقة مشاعره، وأهدى لها باقة ورد على المسرح، مؤكداً أنها سحرته طوال عشرة أيام أمضياها معاً في التحكيم. خرجت (الميديا) كلها، وهي تتحدث عن هذا المشهد العاطفي الذي قدمه على المسرح المخرج الروسي، والتساؤل هل كان يعنيه أم يمثله؟ سألت لبلبة بعد الحفل، قالت لي، أثناء المناقشات على الجوائز كثيراً ما تشاجرنا، خصوصاً في اختيار اسم من تحصل على جائزة التمثيل... وأخيراً قررنا المناصفة بين إلهام شاهين بطلة فيلم (حظر تجول) والروسية ناتاليا بافينكوفا بطلة الفيلم الروسي (المؤتمر). كل من لبلبة وألكسندر تحمس لجائزة تنالها فنانة من بلده، لبلبة قالت لي إن الخلاف بينهما كان فنياً ولا علاقة له بالانتماء الوطني، كل منهما لديه أسبابه الموضوعية للحماس لفنانة يراها هي الأحق، وفي النهاية قررت اللجنة بالإجماع تقسيم الجائزة، ورغم ذلك عند إعلانها، لم يفهم أحد بالضبط على المسرح الحقيقة، لأن لبلبة لم تقل صراحة مناصفة، قالت جائزة التمثيل الأولى إلهام وجائزة التمثيل الثانية ناتاليا، هل قصدت لبلبة أن تحير الجمهور، أم أنها قررت أن تنتقم على المسرح من المخرج الروسي، فقدمت هذا الأداء الذي لا تستطيع من خلاله أن تدرك بالضبط الحقيقة، وفي النهاية سافر المخرج الروسي عائداً لبلده، وطلب من لبلبة وهو يودعها أن تتواصل معه عندما تأتي في زيارة لروسيا. هل كان المخرج يسرق الكاميرا أم أن لبلبة هي التي سرقتها؟ المهم أننا شاهدنا مهرجان (القاهرة) واقعياً، والجمعة المقبل سيشهد العالم كله مهرجان (قرطاج) وهو يتنفس مجدداً الحياة ونتنفسها معه، حتى لو وقفنا جميعاً خلف الكمامة، إلا أن الحياة قطعاً ستعود بكل طقوسها قريباً!!