ويل ويلكنسون
كاتب أميركي من خدمة «نيويورك تايمز»
TT

قراء متأنية في الانتخابات الأميركية؟

ربما يكون سوء تعامل الرئيس الأميركي دونالد ترمب الكارثي مع جائحة فيروس «كورونا» المستجد قد كلفه خسارة السباق لإعادة انتخابه، ومع ذلك، فإن فوزه بعدد أصوات أكثر من أي رئيس حالي في التاريخ الأميركي، وذلك رغم تقصيره في تحمل المسؤولية في وقت أزمة صحية ودمار اقتصادي قد يحدثان لمرة واحدة في القرن، هو حقاً أمر محير للعقل.
فلماذا يبدو الفارق بين ترمب والرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن ضعيفا للغاية في الولايات التي حسمت فوزه الأخير؟
ويبدو أن الديمقراطيين، الذين يكافحون من أجل فهم كافة هذه الأشياء، محاصرون في جولة أخرى من الاتهامات المتبادلة:
فقد كانوا تقدميين للغاية بالنسبة للناخبين المتأرجحين، أو كانوا اشتراكيين للغاية أو كان لديهم عداء مبالغ فيه تجاه بعض السياسات الطموحة مثل الصفقة الخضراء الجديدة، أو أنهم لم يكونوا تقدميين بشكل كاف لإلهام الناخبين الديمقراطيين للذهاب للتصويت.
لكن يجب أن يفهموا أنه لا توجد طريقة لتفادي خيبة الأمل، فهناك 3 عوامل تفسر في الغالب سبب عدم كون أداء الديمقراطيين أفضل من ذلك، وهي منطق الاستقطاب الحزبي، وقوة الاقتصاد الأميركي في فترة ما قبل (كوفيد - 19)، ونجاح ترمب في الإنكار، وفتح كل شيء وعدم الاستجابة للوباء.
وقد نجحت هذه الاستراتيجية المروعة في الصب في صالح الجمهوريين، حتى لو لم تكن قد صبّت في صالح الرئيس نفسه، وعلاوة على ذلك، فقد نصبت فخاً وقع فيه الديمقراطيون، وهو الشيء الذي يجب أن يفهموه ويتكيفوا معه، قدر الإمكان، بينما يتطلعون للمضي قدماً.
ولكن كيف يمكن لرئيس مسؤول عن واحدة من أخطر الإخفاقات في الحكم في التاريخ الأميركي أن يحافظ على هذا الدعم القوي؟
وتتعرض الآلية الديمقراطية المتمثلة في التخلص من المسؤول غير المرغوب فيه للتخبط عندما يختلف الناخبون حول هذا المسؤول، وحول ما حدث وما لم يحدث وحول من يستحق الفضل أو اللوم.
وعندما يصبح الانتماء الحزبي مصدرا أساسيا لتعريف الذات، يصبح الواقع نفسه متنازعا عليه، وتتحول الحقائق التي يمكن التحقق منها بسهولة إلى نقاط موضع خلاف شديد، فلا يمكن للانتخابات أن تصدر حكما موثوقا بشأن أداء شاغلي المناصب عندما يروي الناخبون المنقسمون قصصا غير متسقة إلى حد كبير عن بعضهم البعض وعن العالم الذي يتشاركون فيه.
ويتمتع ترمب بموهبة خاصة في الاستفادة من عداوات الاستقطاب الحزبي لإبعاد مؤيديه عن مصادر المعلومات الموثوقة وإثارة الأكاذيب المضللة، ولكن يبدو أن موهبته لم تكن كافية هذه المرة لإنقاذه، وهو الأمر الذي يشير إلى أن الاستقطاب لم يستطع تدمير قدرة ديمقراطيتنا على التصحيح الذاتي بشكل كامل.
ومع ذلك، فإن حملة ترمب التي كانت لا هوادة فيها لدفع الاقتصاد عن طريق خفض الضرائب، وتقليص العجز والديون الهائلة، وتحريض بنك الاحتياطي الفيدرالي على عدم رفع أسعار الفائدة قد صبّت في صالح ملايين الأميركيين، ونحن بطبيعة الحال نميل إلى الاهتمام بملاحظة ما إذا كنا شخصياً قد أصبحنا أكثر ازدهاراً مما كنا عليه قبل بضع سنوات أم لا.
لكن استجابة الرئيس الكارثية لوباء (كوفيد - 19) قد جعلت الاقتصاد في حالة من الانهيار، وهذا هو الأمر الأكثر أهمية، وهو الذي جعل الديمقراطيين يشعرون بعدم الارتياح.
فقد تخلى ترمب عن المسؤولية، وحمل العبء على عاتق الولايات والمقاطعات ذات الميزانيات المضطربة، ثم شن حرباً كلامية ضد المحافظين ورؤساء المقاطعات، وخصوصاً الديمقراطيين الذين رفضوا المخاطرة بحياة مواطنيهم من خلال السماح باستئناف النشاط الاقتصادي والاجتماعي.
وقد شجع ترمب أنصاره على الاستخفاف بخطر العدوى، وجعل الرفض الواضح لارتداء الأقنعة الواقية بمثابة شعار للتحرر من استبداد الخبراء، وقام بتحويل قيود الصحة العامة المفروضة على الشركات والمدارس والتجمعات الاجتماعية إلى مؤامرة استبدادية لسرقة السلطة من خلال الإضرار بالاقتصاد وبآفاق إعادة انتخابه.
وقد نجح ترمب في وضع الديمقراطيين في موقف دفاعي بشأن القيود المفروضة على الاقتصاد وعلى إغلاق المدارس، ومع مرور الأشهر ومع عدم تقديم واشنطن لأي إشارات على تخفيف عمليات الإغلاق، لم يكن أمام الولايات والمقاطعات الديمقراطية التي تعاني من ضائقة مالية خيار آخر سوى تخفيف القيود على الشركات لمجرد إبقاء الأضواء مضاءة، وهو ما ظهر وكأنه بمثابة اعتراف بالحكمة الاقتصادية للنهج الأكثر تساهلاً في الولايات ذات الأغلبية الجمهورية، كما أنه أدى لتعزيز رواية ترمب الخاطئة عن الانتصار على الفيروس والعودة إلى الحياة الطبيعية.
وصحيح أنه لم يكن مقدراً للديمقراطيين أن يتورطوا في فخ ترمب كما فعلوا، ولكنهم أيضاً لم يكن لديهم أي وسيلة لتجنب هذا الفخ، إلا أنه كان من الممكن تقليل الضرر الذي وقع عليهم، حيث سمحوا للجمهوريين بتعريف الفرق بين موقف كل من الحزبين من الوباء من حيث الحرية مقابل الإغلاق المرهق وغير المحدود.
فقد كان الديمقراطيون بحاجة إلى تقديم استراتيجية منافسة وجذابة لمواجهة الرسائل الجمهورية، كما أن العمال المكافحين والشركات لم يسمعوا بوضوح ما سيحصلون عليه بالضبط إذا أدار الديمقراطيون الجائحة، ولم يجتمع الديمقراطيون أبداً للتظلم مما يرفض الجمهوريون تقديمه لهم، وقد كان الديمقراطيون بحاجة إلى التأكيد على عمق فشل الجمهوريين من خلال الإبلاغ بقوة عما فعلته الولايات الأخرى للسيطرة على الفيروس بنجاح، وكانوا بحاجة إلى الوعد بفعل الشيء نفسه من خلال تطبيق أشياء مثل إجراء الاختبارات لإعادة أميركا بأمان إلى العمل.
ولكنهم بدلاً من ذلك كانوا يتذمرون من أن إهمال ترمب وعدم كفاءته هما السبب في المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها أميركا، كما اشتكوا من أن ميتش ماكونيل لن يفكر حتى في مشروع قانون الإغاثة الخاص بمجلس النواب، وصحيح أنهم لم يكونوا مخطئين، ولكن تحديد المسؤولين عن أوضاع البلاد بشكل صحيح لم يفعل شيئاً لمساعدة المعيلين من الطبقة العاملة الذين لن يستطيعوا نقل الطاولات أو تنظيف الدواجن أو بيع العصائر أو تنظيف غرف الفنادق عن بُعد عبر تطبيق «زووم».
فلا يمكن أن تكون رسالة الجمهوريين أكثر وضوحاً، يجب أن يكون العمال قادرين على الذهاب إلى العمل، وتسجيل الحضور، وكسب رواتبهم، ودفع الإيجار وإطعام أطفالهم، بينما كان الديمقراطيون يخبرون نفس العمال بأننا بحاجة إلى الاستماع إلى العلم، وأن إعادة فتح البلاد هو أمر سابق لأوانه، ولا يمكن استعادة الاقتصاد بالكامل حتى نتغلب على الفيروس، وهو كلام صحيح ولكن كيف يساعد ذلك هؤلاء العمال عندما يتأخرون عن سداد الإيجار الذي قد تأخروا في سداده؟
فقد كان أمراً قاسياً من قبل الجمهوريين أن يقوموا بإجبار ذوي الياقات الزرقاء وعمال الخدمة على المخاطرة بالموت من أجل أموال البقالة، ومع ذلك، فقد أقنعت حملة التضليل التي قاموا بها ملايين الأميركيين بأن الخطر ضئيل، وأن الديمقراطيين أبقوا أماكن عملهم ومدارسهم مغلقة، وأبقوا أطفالهم في المنازل، وأن محافظهم وخزائنهم باتت فارغة لأسباب زائفة.
ولكن كان دفع الرئيس لإعادة فتح كل شيء على عجل أقل إقناعاً لسكان الضواحي الذين تلقوا تعليماً جامعياً، والذين يميلون إلى الثقة بالخبراء، ويمكنهم العمل من المنزل ومراقبة أطفالهم وشراء جهاز كومبيوتر محمول لأطفالهم في رياض الأطفال للدراسة عبر الإنترنت، وقد خسر ترمب الانتخابات بشكل رئيسي لأنه خسر عدداً كافياً من أصوات هؤلاء الناخبين، بما في ذلك بعض الجمهوريين المعتدلين.
ويحتاج الديمقراطيون إلى إعادة التفكير في فكرة أن هؤلاء الناخبين كانوا سيضعون المرشحين الديمقراطيين في مجلسي النواب والشيوخ في الصدارة إذا كان بعض مرشحي الحزب فقط أقل اشتراكية، وعليهم أن يتقبلوا فكرة أنهم قد أضروا بالاقتصاد من خلال الهروب من الفخ الذي نصبه الجمهوريون لهم، وذلك برفضهم بإصرار لفعل أي شيء حيال العدوى التي لا يمكن السيطرة عليها والتي دمرت الاقتصاد.
وهم بحاجة إلى فهم كيف أنقذ ترمب حزبه من خلال تعزيز الاستقطاب، وربما كان أداء الديمقراطيين سيكون أفضل لو كانت استطلاعات الرأي المتفائلة وتصوراتهم الحزبية المتحيزة لم تضللهم وتدفعهم إلى الاعتقاد بأن رد الفعل العنيف على الفشل الجمهوري الصارخ سيجعلهم يحققون أغلبية سهلة في مجلس الشيوخ، ولكن أداءهم لم يكن سيكون أفضل بكثير، وإلى أن تنتهي موجة الاستقطاب المحيرة للعقل هذه، فإن كل الأمور المهمة في البلاد ستكون محل نزاع حاد، كما أن أفظع حالات الفشل ستستمر في أن تكون بلا عقاب.

* خدمة «نيويورك تايمز»