روبرت فورد
السفير الأميركي السابق لدى سوريا والجزائر والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن
TT

فريق بايدن و«حزب الخيمة الكبيرة»

يقف جوزيف بايدن حالياً في مواجهة كثير من التحديات، رغم أن قدمه لم تطأ المكتب البيضاوي بعد. وربما لاحظ القراء أنه اقترح أشخاصاً لمناصب وزيري الخارجية والأمن الداخلي ومدير المخابرات الوطنية والسفير لدى الأمم المتحدة، لكن لم يطرح حتى اليوم مرشحاً لمنصب وزير الدفاع، ولا مدير وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه)؛ هذا التأخير ليس صدفة بالتأكيد. أما أهم نقطة يجب وضعها في الحسبان، فهي أن الحزب الجمهوري لا تزال صفوفه متحدة بشكل أساسي تحت قيادة دونالد ترمب. وفي المقابل، يبدو الحزب الديمقراطي أقرب إلى ائتلاف سياسي من مجموعات مصالح مختلفة. وكثيراً ما يطلق الديمقراطيون على أنفسهم اسم «حزب الخيمة الكبيرة»، بالنظر إلى حقيقة أن الحزب يمثل كثيراً من المجموعات المختلفة معاً.
ومن جهتهم، توقع مراقبون معنيون بالحزب الديمقراطي أن تصبح ميشيل فلورنوي وزيرة الدفاع، إذا فاز جو بايدن في الانتخابات التي جرت بداية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وفي أعقاب فوز بايدن في الانتخابات، حول الجناح اليساري داخل الخيمة الكبيرة انتباهه من الحملة ضد ترمب إلى تشكيل الإدارة الجديدة. ويبدي هذا الجناح شعوراً بعدم الارتياح تجاه فلورنوي.
جدير بالذكر، في هذا الصدد، أن فلورنوي أنشأت شركة باسم «ويست إكزيك»، وتستقي الشركة اسمها من زقاق صغير يربط بين البيت الأبيض ومبنى أيزنهاور في «شارع 17» الذي يضم مكاتب مسؤولي مجلس الأمن الوطني. ويعبر الزقاق يومياً مسؤولون مهمون لدخول البيت الأبيض. ولدى شركة فلورنوي عملاء، بينهم شركات دفاعية بحاجة لمساعدة «ويست إكزيك» للتعرف على كيف يمكنهم تسيير أعمالهم داخل واشنطن، والحصول على تعاقدات حكومية كبرى. ومن ناحيتها، ترفض «ويست إكزيك» الإفصاح عن أسماء عملائها. ويشعر جناح اليسار داخل الحزب الديمقراطي بالريبة إزاء هذا الغياب للشفافية، بجانب رغبته في وقف التدخلات العسكرية الأميركية حول العالم.
وعلى الجانب الآخر، يبدو أن لفلورنوي علاقات تجارية مع الشركات التي تصنع الأسلحة. وعليه، فإنه بطريقة ما تمثل فلورنوي المال ونفوذ الشركات الكبرى داخل أروقة الحكومة الأميركية، الأمر الذي يعارضه الحزب الديمقراطي بشدة.
وتجدر الإشارة، في هذا الصدد، إلى أن توني بلينكين ساهم في إنشاء «ويست إكزيك»، ومع هذا يبدي بايدن قدراً كبيراً من الولاء تجاه مساعده الذي عمل معه طوال عقدين، بينما لا يرتبط بايدن بالمستوى ذاته من العلاقات الشخصية مع فلورنوي. وفي الوقت ذاته، لا يزال بايدن بحاجة إلى الجناح اليساري داخل الحزب الديمقراطي لمساعدته داخل الكونغرس، ومساعدته في انتخابات الكونغرس المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022. ولذلك، يبدي كثيراً من التريث في الوقت الراهن.
وإلى جانب فلورنوي، هناك اسم جديد آخر محتمل لمنصب وزير الدفاع: الجنرال لويد أوستن. وقد عرفه بايدن منذ 2009 حتى 2011، عندما كان أوستن قائداً رفيعاً في الجيش الأميركي في العراق. وفي الواقع، اختلف أوستن مع بايدن بشأن سحب جميع القوات الأميركية من العراق في عام 2011. ومع ذلك، لم يتحدث أوستن إلى وسائل الإعلام عن هذا الخلاف، وهذا أمر نادر الحدوث في الحكومة الأميركية الحديثة. وفي المقابل، نال أوستن مكافأة عن هذا المستوى الاستثنائي من المعايير المهنية والولاء. ففي عام 2014، عين أوباما أوستن قائداً لجميع القوات الأميركية في الشرق الأوسط؛ القيادة المركزية الأميركية. وكان هو القائد الذي يقود القوات العسكرية التي قاتلت تنظيم داعش، بينما كان بريت ماكغورك يتولى إدارة الجهود الدبلوماسية.
وبعد تقاعد أوستن عام 2016، عمل في شركة الدفاع «رايثون». ومع هذا، يتميز أوستن بحليف سياسي تفتقر إليه فلورنوي، وهو القيادات من أصحاب البشرة السمراء بالخيمة الديمقراطية الكبيرة الذين يرغبون في ضم مزيد من الملونين إلى الإدارة الأميركية. ومن ناحيته، قال أحد الحلفاء السياسيين الرئيسيين لبايدن الذي كان لمساعدته دور واضح في إنقاذ حملة بايدن الضعيفة الربيع الماضي، في تصريحات صحافية الأسبوع الماضي، إنه غير راض بحكومة بايدن حتى الآن لأنه لا يوجد فيها ما يكفي من أصحاب البشرة السمراء.
وهناك منافسة مماثلة تدور حول منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية. ومن الأسماء المرشحة مايكل موريل الذي كان نائب مدير الوكالة في عهد أوباما، ووجه سهام النقد إلى ترمب عبر شاشات التلفزيون بانتظام بعد انتخابات عام 2016. ويتمتع موريل بخبرة ممتازة، لكنه دافع في بعض الأحيان عن استخدام وكالة الاستخبارات المركزية التعذيب ضد المشتبه بتورطهم في الإرهاب.
ومن ناحيته، يرفض جناح اليسار من الخيمة الديمقراطية الكبيرة التعذيب تماماً. وعندما عين ترمب المديرة الحالية للوكالة، جينا هاسبل، وقف اليسار الديمقراطي في مواجهتها لأنها سبق لها إدارة عمليات وكالة الاستخبارات المركزية في تايلاند، حيث جرى تعذيب المشتبه بتورطهم في الإرهاب في مراكز احتجاز تديرها وكالة الاستخبارات المركزية. ويتساءل الجناح الأيسر الآن: كيف يمكن لبايدن أن يدعم موريل؟
ومن أجل تجنب هذه المعركة، قد يلجأ بايدن لاختيار توماس دونيلون ليتولى إدارة وكالة الاستخبارات المركزية. ومن جهته، لم يعمل دونيلون فقط في مجال الاستخبارات، لكنه كان ثاني مستشار لأوباما للأمن الوطني، ولديه كثير من الخبرة في السياسة الخارجية (قاد فريق أوباما للأمن الوطني في استجابته لـ«الربيع العربي»، على سبيل المثال).
وربما يختار بايدن، موريل وفلورنوي نهاية الأمر، وذلك لتمتعهما بكثير من الأنصار داخل الخيمة الكبيرة. أما إذا اختار بايدن، بدلاً عن ذلك، أسماء مثل دونيلون وأوستن، فإن هذا سيكون بمثابة مؤشر على أن بايدن يفكر بالفعل في انتخابات عام 2022، وكيفية حشد جميع المجموعات داخل «الخيمة الديمقراطية الكبيرة». وعلى أي حال، سيتألف فريق الأمن الوطني الجديد، بقيادة بايدن، في الجزء الأكبر منه من مسؤولين سبقت لهم المشاركة في إدارة أوباما.