دانيال موس
TT

لقاح كورونا وقطار «المال السهل»

بعثت دولة صغيرة على أطراف آسيا برسالة قوية للاقتصاد العالمي هذا الأسبوع: لا تنخدعوا بالأخبار السارة عن تطوير لقاح «كوفيد-19»، فالبنوك المركزية ما زالت على بُعد أميال من التوقف عن ضخ الحوافز الهائلة التي كانت قد قامت بضخها في الاقتصاد، وإذا كان هناك أي شيء سيحدث، فمن المرجح أن يكون قيام هذه البنوك بزيادة الدعم، وليس تقليصه.
ويوم الاثنين الماضي، لاقت النتائج «غير العادية» للقاح التجريبي التي أعلنت عنها شركة «فايزر» ترحيباً عالمياً، مما أدى إلى ارتفاع الأسواق، حيث أعاد المستثمرون إحياء الرهانات على الاقتصاد العالمي الآخذ في الانكماش، بل بدأوا في الاستفادة من زيادات أسعار الفائدة. ولكن بعد يومين، قال بنك الاحتياطي النيوزيلندي إنه لا يزال هناك طريق طويل لنقطعه قبل أن يساعد اللقاح العالم على تجاوز كارثة «كوفيد-19». وفي حالة إغفال أي شخص لهذه النقطة، فإن المسؤولين هناك قد طرحوا برنامجاً يقدم قروضاً ميسرة للبنوك لتحسين الاقتصاد.
إن الاعتقاد في أن المسؤولين على وشك التفكير في تقليص الدعم يعد بمثابة تجاهل للتحولات الكبيرة في الممارسات النقدية منذ الوباء، وللدروس المستفادة من الانتعاش السابق. فهذه المرة، لن تكون التوقعات الخاصة بزيادة حجم الوظائف، وتحقيق أهداف التضخم، جيدة بما يكفي، وذلك لأن صانعي السياسة، من واشنطن إلى ولينغتون، يريدون رؤية أشياء جيدة ملموسة تحدث بالفعل على الأرض حتى يتخذوا خطوات.
ويتردد صدى حذر نيوزيلندا في جميع أنحاء آسيا. ففي أستراليا، أكدت توقعات البنك المركزي، الجمعة الماضية، الطريق الصعب الذي ينتظرنا، حيث ستبلغ البطالة ذروتها (أقل بقليل من 8 في المائة في نهاية 2020)، وستنخفض إلى 7.5 في المائة بحلول يونيو (حزيران) المقبل، قبل أن تنخفض إلى 6.5 في المائة في العام التالي، والتركيز الرئيسي سيكون على الوظائف، فيما سيعد التضخم أمراً ثانوياً، كما تفقد توقعات ارتفاع الأسعار بعض الأهمية أيضاً. ويقول محافظ بنك الاحتياطي الأسترالي، فيل لوي، إنه يجب أن يرتفع التضخم، وهو التصريح الذي يعد بمثابة خروج عن العقيدة السائدة في العقود الأخيرة.
ويقول الاقتصادي في شركة «جي بي مورغان تشاز آند كو» في سيدني، بين غارمان، إن قصر مدة برنامج التسهيل الكمي الأسترالي التي تبلغ 6 أشهر يؤكد أن بنك الاحتياطي الأسترالي لن يكون لديه الوقت الكافي لرؤية أي تحسن كلي ذي مغزى بحلول الوقت الذي يكتمل فيه البرنامج، وهو الأمر الذي يراه غارمان سبباً في جعل البنك متحيزاً تجاه تمديد دعمه.
ومن المهم أيضاً عدم الخلط بين الانتعاش في النشاط والارتفاع الهائل في التضخم، فالانكماش يطارد الصين، أكبر منتج ومصدر رئيسي في العالم، وقد تباطأ تضخم سعر المستهلك إلى أقل من 1 في المائة، للمرة الأولى منذ أكثر من 3 سنوات، وذلك وفقاً للأرقام الحكومية الصادرة الثلاثاء الماضي، وكان التضخم الأساسي، بعيداً عن الغذاء والطاقة، قليلاً للغاية بنسبة 0.5 في المائة، في مقابل العام السابق، وواصلت أسعار البيع في المصانع انخفاضها. كما كان بنك الصين الشعبي أكثر تحفظاً من نظرائه هذا العام، حيث كان يظهر بوادر الرغبة في العودة إلى موقف أكثر حيادية، ولكن هذه الأرقام تجعل البيع أكثر صعوبة.
وحتى الشيء الذي يبدو للوهلة الأولى خطوة تنظيمية يتأثر أيضاً بالسياسة النقدية، فقد اتخذ بنك اليابان، الثلاثاء الماضي، أكبر تحرك له حتى الآن لتشجيع المقرضين الإقليميين المتعثرين على إعادة تنظيم أعمالهم، من خلال عرض لتخفيف تأثير المعدلات السلبية على المؤسسات الراغبة في التعاون، ويواجه 100 بنك إقليمي في اليابان -أو نحو ذلك- تحديات شديدة تتجاوز المعدلات السلبية، مثل الانكماش السريع في عدد السكان، والتغير التكنولوجي، لكن الضرر الذي لحق بالقطاع كان عاملاً يعيق مزيداً من التخفيضات من قبل بنك اليابان.
ودعونا لا ننسى أن إطار عمل الاحتياطي الفيدرالي الجديد الذي يفضل معدلات أقل لفترة أطول هو التحول الأكثر وضوحاً هذا العام، فلا يكفي أن يصل التضخم إلى 2 في المائة، أو يتجاوزه، ولكن يحتاج المسؤولون إلى الاقتناع بأنه سيبقى عند هذا الرقم؛ وهذا يعني أن السياسة النقدية الآن تدعم أن يتم تخطي هذا الرقم على وجه التحديد، بل وترحب به.
صحيح أن الاختراقات الخاصة بلقاح كورونا عظيمة، لكن اللقاح نفسه يجب أن يتم توزيعه، وأن يكون له تأثير واضح على نشاط البنوك المركزية لكي تقتنع بأن الوقت قد حان للنظر في التوقف عن تقديم الدعم. ففي الماضي، ربما كانت التوقعات الموثوق بها كافية، لكن ليس هذه المرة.
وغالباً ما يتم اتهام صانعي السياسات النقدية باتخاذ قرارات غير محسوبة، فقد كان مصطلح «القفز في الظل» مصطلحاً تم طرحه عندما بدأ تشديد السياسات النقدية في أعوام 1994 و2004 و2015. ولكن في ظل هذا الانتعاش الناشئ الآن، فإنه قد حان وقت عدم الاندفاع في رد الفعل.

*بالاتفاق مع «بلومبرغ»