إميل أمين
كاتب مصري
TT

واشنطن ـ الرياض... نظرة عليا

مع الإعلان شبه الرسمي عن فوز المرشح الديمقراطي جوزيف بايدن برئاسة أميركا، بدأت بعض الأصوات في طرح أسئلة في اتجاهات متباينة، بعضها ينطلق من قاعدة القلق الوطني الإيجابي، والبعض الآخر يسعى لإثارة الغبار، والترويج لمزاعم لا أساس لها من الصحة، فيما منطلقها المعروف والمفضوح.
غير أن نظرة عليا لواقع حال مسارات ومساقات ثنائية من واشنطن إلى الرياض، والعكس، وذلك عبر 8 عقود، تبين لنا أن هناك جذوراً مؤسساتية راسخة لا تقبل التغير أو التبدل بحسب أهواء ساكن البيت الأبيض. ولعل علامة الاستفهام الرئيسة في هذه السطور: «هل على دول الشرق الأوسط التي تمثل القلب منه، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، أن تشعر بالقلق؟».
ربما يقف وراء حالة القلق، أن سنوات الرئيس ترمب الأربع السابقة، قد شهدت في حقيقة الأمر كثيراً من العلامات الإيجابية، مثل الحفاظ على وحدة دول المنطقة، والعمل على بسط مزيد من الاستقرار، وإجهاض مشروعات انفصالية عدة، ولا سيما في العراق وسوريا، بل ربما ليبيا.
فيما الدور الأكثر فاعلية خليجياً وشرق أوسطياً، الذي لعبه ترمب، إنما تمثل في أمرين؛
أولاً التعاون البناء مع دول المنطقة في مواجهة التنظيمات الإرهابية، ولا سيما «القاعدة» و«داعش».
ثانياً الوقوف بحسم وحزم أمام مشروعات إيران التوسعية وتهديدها أمن وسلام الإقليم، عطفاً على الانسحاب من الاتفاقية سيئة السمعة التي وقعتها إدارة أوباما عام 2015 مع الإيرانيين.
القلقون في المنطقة لديهم هاجس أن الرئيس الأميركي المنتخب سوف يغير الأوضاع ويبدل الطباع دفعة واحدة، ولهذا تبقى المخاوف من عودة مقنعة لإدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، واستعادة خطوط الطول وخيوط العرض لسياساتها التي أودت بالمنطقة إلى مهالك الجب طوال عقد من الزمن. هنا يبدو من السذاجة السياسية الاقتناع بأن تجربة سياسية بعينها، جرت بها الأقدار في أزمنة قائمة بذاتها، يمكن أن تتكرر مرة واحدة بحذافيرها. الأمر الذي ينافي ويجافي قوانين التغير الطبيعي للأشياء والأشخاص.
بداية، ولتفنيد عقلاني وموضوعي، يمكن القطع بأن بايدن لا يمكن أن يكون أوباما بالمطلق، لاختلاف المسارات والمساقات التي تجري فيها الأحداث.
ثم خذ بعض الأوضاع الصحية والذهنية للرئيس وللمواطنين الأميركيين على حد سواء، إذ يبدأ الرجل رئاسته وهو على مشارف عامه التاسع والسبعين، الأمر الذي يجعل منه الرئيس الأكبر سناً في البيت الأبيض، فيما مواطنوه يعانون من جائحة غير مسبوقة منذ 100 عام، ولا أحد يعرف على وجه التحديد إلى أين يمضي «كوفيد 19». وما من ترياق شافٍ وافٍ له حتى الساعة.
يتسلم بايدن رئاسته والأوضاع الاقتصادية الأميركية مزعجة للغاية. الأمر الذي اعترف به رئيس البنك الفيدرالي الأميركي قبل أيام، مع الأخذ بعين الاعتبار أكلاف إصابات الشتاء التي ستخلفها الجائحة من ورائها.
ثالثاً؛ وهذا هو الأكثر خطورة وأهمية في الوقت عينه، أوضاع النسيج المجتمعي الأميركي، الذي تعرض لحالة من الانقسام الحاد والتشظي غير المسبوق، ولا سيما أن الفارق بين الذين انتخبوا ترمب والذين صوتوا لبايدن لا يتجاوز 4 ملايين صوت، أي أقل من واحد في المائة، فيما تسود الاستقطابات السياسية والحزبية، العرقية والهوياتية، المجتمع الأميركي. الأمر الذي لفت إليه بايدن الأنظار في الخطاب الذي هو أقرب إلى خطاب النصر.
المرجفون الذين يتوقعون السوء للمحور الاستراتيجي السعودي – المصري - الإماراتي، يفوتهم أن المرء لا يهبط النهر نفسه مرتين خلال ثوانٍ معدودات، والمراقب يدرك أن العواصم العربية لعقد من الزمن استطاعت ضبط المسافات مع بقية القوى الكونية الفاعلة والمؤثرة.
تدرك واشنطن قيمة الرياض في استقرار المنطقة أمنياً وسياسياً، وتعرف أهميتها الاستراتيجية في مواجهة تطلعات إيران، وبين هذا وذاك اكتشفت واشنطن زيف دعاوى أنصار تيار الإسلام السياسي، وتهافت تجربة أوباما - هيلاري، المعروفة باسم الربيع العربي المغشوش.
ما هو واضح الآن أن مشكلة إيران لم تعد نووية فقط، بل هناك برامجها الصاروخية التي تهدد أقمار أميركا في الفضاء، ومدن أوروبا في البر، فيما تمضي إلى تسريبها إلى دول أميركا اللاتينية، ما يعني أن مصالحة أميركية إيرانية قريبة أمر مستبعد.
الخلاصة... عقلاء أميركا من ترمب إلى بايدن يدركون القيمة الحقيقية للعلاقات مع المملكة العربية السعودية، والتي لا تتغير بتغير الرؤساء.