مها عقيل
TT

منظمة تنمية المرأة في الدول الإسلامية... الواقع والمأمول

شهد الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2020، وتحديداً يومي 21 و22، حدثين بارزين في مجال تمكين المرأة، خصوصاً في العالم الإسلامي، شكلا رسالة قوية للعالم أجمع. فقد انعقد اجتماع مجموعة «تواصل المرأة 20» ضمن أعمال مجموعة العشرين التي تتولى الرياض رئاستها، والتي أثلجت فيها كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز قلب المرأة وأسعدتها، لا سيما المرأة السعودية التي تتفاخر في عهده بنيل حقوقها المشروعة وتمكينها لتخدم وطنها بكل تفانٍ وإخلاص، على قدم المساواة مع الرجل. وقال الملك سلمان في كلمته إن المرأة «هي مصدر التطور لأي مجتمع، فمن غير نساء مُمَكَّنات يصعب إصلاح المجتمعات، حيث إن المرأة هي نصف المجتمع وهن مربيات الأجيال. وقد أثبتت عبر التاريخ دورها البارز والفعال في قيادة التغيير وصنع القرار». وانعقد كذلك الاجتماع الوزاري الأول لمجلس منظمة تنمية المرأة المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي، بصفتها أول منظمة دولية متخصصة تهدف إلى تمكين المرأة في العالم الإسلامي والدفاع عن حقوقها والنهوض بوضعها. وجاء هذان الحدثان في عام يخلد فيه العالم الذكرى الـ25 للمؤتمر العالمي للمرأة ويحتفي فيه باعتماد إعلان ومنهاج عمل بيجين للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، حيث انعقدت احتفالية بهذه المناسبة بمقر الأمم المتحدة في نيويورك في بداية شهر أكتوبر.
ويظهر هذا الزخم من المبادرات والفعاليات، وهذا الدعم المعلن لصالح المرأة وحقوقها، أهمية الدور الذي تضطلع به المرأة في المجتمع في وقت ما زالت تعاني فيه من مظاهر العنف والتهميش والتمييز التي تفاقمت بسبب جائحة مرض فيروس كورونا المستجد. وحتى في ظل هذه الظروف الوبائية الاستثنائية، برز دور المرأة القيادي وفي الصفوف الأمامية للتصدي للوباء.
واحتفلت منظمة التعاون الإسلامي في 22 أكتوبر 2020 بانطلاق أعمال منظمتها المتخصصة في شؤون المرأة، وذلك بانعقاد الاجتماع الأول لمجلس وزراء منظمة تنمية المرأة، التي يعول عليها لتؤدي دوراً مركزياً في تعزيز عمل منظمة التعاون الإسلامي في مجال تمكين المرأة والنهوض بها في دولها الأعضاء. فقد أعلن الأمين العام للمنظمة الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين، في أغسطس (آب) 2020، استكمال النصاب القانوني لدخول النظام الأساسي لمنظمة تنمية المرأة في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي حيز النفاذ، ما يفتح المجال أمام هذه المنظمة الناشئة للشروع في أداء عملها. وقد أنشئت منظمة تنمية المرأة بموجب قرار أصدره مجلس وزراء الخارجية عام 2009، لتكون منظمة دولية متخصصة ومقرها القاهرة بجمهورية مصر العربية، اعتُمِد نظامها الأساسي عام 2010.
وأكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في كلمته المتلفزة التي وجهها للأمم المتحدة بمناسبة الذكرى الـ25 للمؤتمر العالمي للمرأة يوم 1 أكتوبر 2020 أن مصر «تشرف باختيارها لاستضافة مقر منظمة تنمية المرأة التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، وهو كيان جديد واعد من المقرر أن يبدأ عمله خلال الفترة المقبلة، وسيعنى بالنهوض بدور المرأة وضمان تمكينها وتحقيق المساواة بين الجنسين في إطار العمل الإسلامي المشترك».
ولا شك أن إنشاء منظمة تُعنى بقضايا المرأة في العالم الإسلامي يشكل نقلة نوعية لمنظمة التعاون الإسلامي في سعيها للاستجابة لتطلعات النساء في الدول الأعضاء على اختلاف أوضاعهن ومشاربهن، وتحقيق مصالح المرأة، وتصحيح التصور السائد عبر العالم عن رؤية الإسلام للمرأة ومكانتها وحقوقها؛ هذا التصور الخاطئ الذي أسهم في ترسيخه عدد من الممارسات المُهينة والسلوكيات الخاطئة في حق المرأة في بعض المجتمعات المسلمة. وقد حققت المرأة في الدول الإسلامية نجاحات باهرة وقطعت أشواطاً كبيرة في شتى المجالات عندما أتيحت لها الفرص المتساوية في ميادين التعليم والعمل، وأزيلت من أمامها الحواجز والمعوقات، خصوصاً تلك العراقيل الاجتماعية التي تراكمت عبر العصور بفعل العادات والتقاليد البائدة والمفاهيم الدينية المغلوطة؛ وازدادت أعداد النساء اللاتي يشغلن مناصب قيادية في مؤسسات بارزة ويترأسن حكومات وأحزاباً سياسية وبرلمانات وهيئات حكومية وغير حكومية. غير أن نسبة كبيرة من النساء لا تزال تعيش ظروفاً قاسية وحرماناً، إذ تعاني هاته النساء من الحرمان من حقوقهن الأساسية ومن التهميش والفقر والعنف والتهجير القسري واللجوء والاتجار بالبشر في المجتمعات التي تعيش في ظل النزاعات المسلحة أو التي ترزح تحت الاحتلال. ثم جاءت جائحة مرض فيروس كورونا المستجد بتداعياتها الجسيمة على جميع دول العالم ومنها دول المنظمة، لتلحق الضرر الكبير بالنساء على وجه الخصوص، حيث أدت إلى ارتفاع معدلات البطالة والعنف الأسري. لذلك من الأهمية بمكان أن تسارع منظمة تنمية المرأة إلى مباشرة أعمالها حتى تسهم في تمكين المرأة وتفعيل دورها في عملية التنمية في بلدان منظمة التعاون الإسلامي، وتُبرِز مدى تقدمها وعظم المكانة التي وصلت إليها.
وفي منتصف العام الماضي، استضافت القاهرة اجتماعاً وزارياً تشاورياً للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي حول «تمكين المرأة في العالم الإسلامي». وكان الاجتماع بمثابة جلسة للعصف الذهني شارك فيها مجموعة من الوزراء والخبراء لتبادل الأفكار والرؤى وتقديم المقترحات حول عدد من القضايا الرئيسية التي تهم المرأة في العالم الإسلامي، وذلك للمساهمة في صياغة رؤية توجه عمل منظمة تنمية المرأة. وركز النقاش في الاجتماع على أربعة محاور رئيسية؛ وهي «دور المرأة في مكافحة التطرف»، و«القيادة النسائية وصنع القرار»، و«حماية المرأة من كل أشكال العنف»، و«التمكين الاقتصادي والشمول المالي للمرأة».
وربما يكون موضوع «دور المرأة في مكافحة التطرف» مثيراً للاهتمام أكثر من المواضيع الأخرى، نظراً لارتباطه بالأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية في مختلف بقاع العالم الإسلامي، وفي عدد من الدول غير الإسلامية التي يعيش فيها مسلمون يعاني بعضهم، لا سيما النساء، من العنصرية والتهميش والعنف. وتناولت النقاشات التحديات التي تواجهها المجتمعات المعاصرة في مجال مكافحة التطرف، وأكدت أهمية إشراك المرأة في التدابير والاستراتيجيات التي تعتمدها الدول الأعضاء في المنظمة في هذا المجال، وعلى اتباع نهج شامل ومتعدد الأبعاد في مواجهة تلك التحديات. وأشار الخبراء إلى ضرورة زيادة الوعي بظاهرة التطرف والإرهاب في أوساط النساء ومعالجة الأسباب والدوافع.
وأضحت مشاركة المرأة في الحياة السياسية شرطاً أساسياً لتعزيز التكامل وتحقيق التنمية المجتمعية. ومع ذلك، لا تزال المرأة تناضل لتحقيق المساواة في التمثيل في مناصب القيادة واتخاذ القرار، سواء في مجالس إدارة الشركات أو في الحكومات. ومن جهة أخرى، يعد الوصول إلى الخدمات المالية أساسياً لتحقيق التمكين الاقتصادي والتنمية المحلية. وعلى الرغم من الجهود التي بذلت لزيادة وصول المرأة إلى المنتجات والخدمات المالية، تشير الدراسات المختلفة إلى أن الشمول المالي للمرأة لم يتحقق بعد بصورة كاملة؛ فلا تزال أكثر من مليار امرأة مستبعدة من الخدمات المالية الرسمية.
ومن جانب آخر، يشكل العنف ضد النساء والفتيات انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان بالنظر للآثار النفسية والجسدية العديدة. وليست للعنف عواقب سلبية على النساء فحسب، بل على أسرهن والمجتمع ككل. وقد اعتمدت العديد من الدول الإسلامية قوانين لمكافحة العنف المنزلي والاعتداء الجنسي وغيرها من أشكال العنف. إلا أن تلك الجهود ما زالت غير كافية، حيث لا تزال هناك تحديات في تنفيذ هذه القوانين، ما يحد من وصول النساء والفتيات إلى العدالة.
هذه كلها تحديات وقضايا يتعين على منظمة تنمية المرأة مواجهتها. ومن المتوقع أن تسهم هذه المنظمة الجديدة أيضاً في فتح مجالات التعاون والتنسيق وتبادل الخبرات حول قضايا المرأة بين الدول الإسلامية والمجتمع الدولي، سواء على مستوى الدول أو على مستوى المنظمات الدولية. وحتى تحقق هذه المنظمة الواعدة الأهداف المرجوة، يجب أن تتوفر لها الموارد والإمكانات اللازمة والإرادة السياسية لإنجاحها. وتأتي كلمة الملك سلمان في مجموعة «تواصل المرأة 20» التي أكد فيها أن «تعزيز جاهزية دولنا لاقتصاد مستقبلي مشرق يتطلب نهجاً شمولياً لتمكين المرأة في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والصحية، والتعليمية، والتقنية، والثقافية، والترفيهية، والرياضية، وغيرها» لتقدم خطة عمل للمرأة. وما حققته المملكة العربية السعودية خلال رحلة إصلاحية غير مسبوقة، بشهادة المجتمع الدولي، لتمكين المرأة ودعم مشاركتها في التنمية الوطنية من خلال هذا النهج الشامل، خير دليل على ما يمكن إنجازه بالإرادة الصامدة والأهداف الواضحة والخطط والبرامج العملية.