حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

سهرة بلا نتيجة!

لعل أشهر العناوين الصحافية في الوجدان السياسي الأميركي المعاصر، ذلك الذي تصدّر صحيفة «شيكاغو تريبيون» منذ 72 عاماً يقول «ديوي يهزم ترومان»، في إشارة لانتخابات الرئاسة الأميركية وقتها بين الرئيس الديمقراطي هاري ترومان ومنافسه المرشح الجمهوري حاكم ولاية نيويورك توماس ديوي. صدر العدد بهذا الشكل، لاعتماده وقتها على استطلاعات الرأي التي كانت تقول إن الفوز سيكون من نصيب ديوي؛ مما جعل الرئيس الفائز هاري ترومان يحمل عدد الصحيفة في يده أمام أنصاره بابتسامة المنتصر، حتى أصبحت هذه الصورة هي الأخرى من أشهر الصور السياسية.
تذكرت ذلك، وأنا أتابع سباق الانتخابات الرئاسية الأميركية المثير جداً، والذي تجاوز في إثارته هذه المرة مباريات الكلاسيكو بين ريال مدريد وبرشلونة، أو ما قدمته أعتى إنتاجات الدراما الهوليوودية. فبعد سهر متواصل تابعت فيها الأخبار على شتى الوسائل الإعلامية حتى كتابة هذه السطور، لم يتم حسم النتيجة النهائية، وبالتالي لم يتم الإعلان عن الفائز بشكل نهائي. وعلى ما يبدو أن الإشكالية في بعض الولايات الأميركية، وأسلوب حساب الأصوات فيها، وخصوصاً المرسل بالبريد منها، والذي يشهد حجماً هائلاً، بعد أن لجأ إليه الكثيرون مبكراً، بسبب ظروف الجائحة وخطورة التجمهر على صحة الإنسان. وهذا الأمر يدخل الانتخابات الآن في مرحلة المحامين والقضاء، وخصوصاً مع تصريح الرئيس دونالد ترمب في خطابه عشية الثلاثاء الانتخابي الكبير، بأنه سيلجأ للمحكمة العليا لإيقاف العد المخالف. وليت الأمر بهذه البساطة لأننا سندخل في الثغرات القانونية لكل ولاية متأرجحة، والعمل على نسبة الحيز التصويتي الذي يسمح بإعادة الفرز. وحتى الآن نحن نراقب مرحلة الفرز الأولي، ولم ندخل في مرحلة إعادة الفرز (وهي التي أدت إلى أن توقف بحكم المحكمة العليا في انتخابات 2000 بين جورج بوش الابن ومنافسه آل غور).
وإذا كان هناك من خاسر حقيقي حتى اليوم، فهو صناعة استطلاعات الرأي التي اهتزت مصداقيتها بشدة في انتخابات 2016، والتي توقعت حينها فوز هيلاري كلينتون، وفي هذه الانتخابات عادت الكرة لتتوقع انتصاراً كاسحاً لجو بايدن وموجة زرقاء كبرى لصالح الديمقراطيين، وكما هو معروف فاز دونالد ترمب في 2016، وهذه السنة نشهد سباقاً متقارباً غير مسبوق. أعتقد أن هذه الصناعة بعد ما أصابها من زلزال فقدان المصداقية، ستلحق بمصير مهن وكيل السياحة والسفر والصراف البنكي. ولكن الناس اليوم تردد اسماً واحداً في صناعة استطلاعات الرأي، بعد أن تحول معظم العاملين فيها إلى اعتذاريين بامتياز، هذا الاسم هو «مجموعة ترافالغر» لصاحبها روبرت كاهالي، الذي توقع وحده فوز ترمب في انتخابات 2016، ثم عاد بالتوقع نفسه في الانتخابات الحالية؛ لأنه - بحسب توضيحه - يتبع نموذجاً غير تقليدي في استطلاعات الرأي، يختلف تماماً عن الآخرين، من دون أن يوضح المزيد أو يشرح مقصده.
هناك من يعتقد أن الانتخابات التي خطفت بطريقة مريبة عام 2000 من قبل جورج بوش الابن في مواجهة آل غور، بعد إعلان فوز الأخير، قد يدفع ثمنها اليوم الحزب الجمهوري وكأنه سداد لفاتورة طال انتظارها. ولكن أهم اكتشاف أفرزته الانتخابات الرئاسية الأميركية أنها لا تزال الحدث السياسي العالمي الأهم، والأمر الثاني الذي ظهر من خلال النتائج الأولية أن الطبيعة الديموغرافية لأميركا في الكثير من ولاياتها الخمسين، قد تغيرت تماماً، فأصبح للأقليات الإثنية حضورها وثقلها وفاعليتها وتأثيرها؛ مما جعل الولايات في الكثير من الأحيان تنتقل من التصويت لحزب إلى منافسه في تحول تاريخي لافت.
أيام ويحسم المشهد الانتخابي الأميركي، وتستطيع روابط مشجعي كل مرشح من التقاط أنفاسهم. هذه انتخابات ستدرس وتدخل التاريخ لما تضمنته من أحداث وسوابق غريبة ومهمة. حتى الآن مرت الانتخابات بلا عنف أو شغب، ومرت بسلام من التدخل السيبراني الخارجي، وهي مسائل كانت مصدر خوف وقلق للكثيرين.
أميركا مجتمع منقسم بشكل حاد، وفي حاجة ماسة إلى قيادة تبعث فيه الأمل وتجمعه على القيم الوطنية، وللأسف الناخب الأميركي لم يجد في دونالد ترمب ولا في جو بايدن هذه الصفات.