تشن وي تشينغ
سفير جمهورية الصين الشعبية لدى المملكة العربية السعودية
TT

الصين الأكثر انفتاحاً على العالم... ماذا يعني هذا؟

بدأت الصين الإصلاح والانفتاح منذ أواخر السبعينات في القرن الماضي. لأكثر من 40 عاماً، اتخذت الصين افتتاح المناطق الساحلية بوصفه الرائد، واستخدمت مزايا الموارد والمزايا النسبية للقوى العاملة المحلية، واندمجت بنشاط في النظام الاقتصادي العالمي، وعززت بيئة الأعمال المحلية ورسمت قواعد سياسية مختلفة، ووسّعت تنمية الصادرات، لتطوير الاقتصاد الصيني بشكل أفضل.
بعد أكثر من 40 عاماً... أصبحت الصين أكبر دولة في التجارة العالمية للسلع، وثاني أكبر دولة في جذب الاستثمار الأجنبي. ويحتل الناتج المحلي الإجمالي للصين المرتبة الثانية في العالم. وقد شكلت أكبر نظام مجمع للتصنيع على نطاق واسع ونظام سلسلة صناعية في العالم. تجاوز معدل مساهمة الصين في النمو الاقتصادي العالمي 30% للسنوات المتتالية، كما أثْرت وأفادت الصين العالم بشكل عميق من خلال تغيير نفسها.
وتعد اليوم العولمة الاقتصادية المطلب الموضوعي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والنتيجة الحتمية للتقدم العلمي والتكنولوجي، كونها تسهم في تعزيز تداول السلع ورؤوس الأموال، وتقدّم العلوم والتكنولوجيا والحضارات، والتبادلات بين شعوب البلدان، وتوفّر زخماً قوياً لتنمية الاقتصاد العالمي.
في الوقت الحاضر، تظهر اتجاهاتِ مناهضةِ العولمة والأحادية والحمائية التجارية في بعض البلدان. في بداية هذا العام، وكنتيجة للظهور المفاجئ لفيروس «كورونا» المستجد حدثت صدمات جديدة للاقتصاد العالمي. في مواجهة التغيرات الكبيرة التي لم نشهدها منذ قرن من الزمان، قدمت الصين خطة واضحة، تنصُّ على الاستمرار في دعم التعددية والعولمة الاقتصادية، لمساعدة البشرية جمعاء، والتعاون للفوز الكلي، وستواصل الصين تعميق الإصلاحات للوصول إلى أعلى مستوى من الانفتاح.
في العام الجاري، أعلنت الصين تسريع تشكيل نمط تنموي جديد، تكون الدورات المحلية فيه الدعامة الأساسية وتعزز الدعم المتبادل للدورات المحلية والدولية. حال اعتبرنا الاقتصاد العالمي عبارة عن سلسلة، وكان كل اقتصاد بمثابة ترس يربط حلقاتها، فيجب على الصين ألَّا تقوم فقط بالتشغيل العادي للترس الصيني، بل يجب عليها أيضاً نقل زخم التنمية إلى التروس الأخرى، وذلك لتعزيز التشغيل السليم للسلسلة الاقتصادية العالمية.
ولكن، ماذا يعني الصين الأكثر انفتاحاً على الاقتصاد العالمي؟
أولاً، سوق أكبر. إذ يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة، ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أكثر من 10000 دولار، ومجموعة متوسطة الدخل تزيد على 400 مليون، قد تغيرت الميزة النسبية للصين من قوة عاملة وفيرة في المرحلة المبكرة من الإصلاح والانفتاح، إلى نطاق السوق الكبير جداً ونظام صناعي كامل.
ومع استمرار ازدياد حجم اقتصاد الصين، فإنَّ المساهمة الهامشية للطلب الخارجي في النمو الاقتصادي ستنخفض حتماً تدريجياً، واتخاذ تلبية الطلب المحلي كنقطة انطلاق ونهاية للتنمية الاقتصادية هي الطريقة الوحيدة للصين.
في السنوات الخمس الماضية، ارتفع حجم التجارة السنوية للصين من 3 تريليونات دولار إلى 4.3 تريليون دولار، حيث تجاوز معدل نمو الواردات 10%، متجاوزاً بكثير معدل نمو الصادرات من 6% إلى 7%، وانخفض الفائض التجاري من أكثر من 500 مليار دولار إلى 300 مليار دولار.
تحتاج الصين إلى سلع وخدمات من دول مختلفة لتلبية الطلب المحلي المتزايد.
ثانياً، وجهة استثمارية أكثر جاذبية. ففي الماضي، كانت المجالات المفتوحة للاستثمار الأجنبي في الصين هي التصنيع والبنية التحتية.
في السنوات الأخيرة، عملت الصين باستمرار على تبسيط القائمة السلبية لدخول الاستثمار الأجنبي، وخفض قيود الاستثمار، وتحسين مستوى تحرير الاستثمار. من أبريل (نيسان) إلى يونيو (حزيران) الماضي، زاد الاستخدام الفعلي للصين لرأس المال الأجنبي بنسبة 11.8% و7.5% و7.1% على التوالي على أساس سنوي، واستقرت ثقة الاستثمار الأجنبي.
أظهر تقرير صادر عن مجلس الأعمال الأميركي الصيني في أغسطس (آب) الماضي، أنه على الرغم من التقلبات والانعطافات في العلاقات الصينية الأميركية، فإن الشركات الأميركية العاملة في الصين لم تغادر السوق الصينية، ولا تزال متفائلة بشأن آفاق الأعمال الصينية في السنوات الخمس المقبلة.
في الوقت الحاضر، توسع الصين بثبات انفتاح الصناعة المالية، وتعزز باستمرار انفتاح صناعة الخدمات، وتحسّن مستوى الصناعات المالية والخدمات من خلال إدخال شركات أجنبية عالية الجودة ورؤوس أموال.
ثالثاً، بيئة أعمال أفضل. إذ تلتزم الصين خلق نمط من الانفتاح المتزامن وثنائي الاتجاه للمناطق الساحلية والداخلية والانفتاح الشامل على العالم الخارجي في الشرق والغرب والجنوب والشمال والوسط، لإنشاء بيئة إنمائية ذات حقوق متساوية وقواعد متساوية وفرص متكافئة بشكل مؤسسي، والتنفيذ الشامل لنظام المعاملة الوطنية قبل الدخول، بالإضافة إلى القائمة السلبية، وتسريع إنشاء مناطق تجريبية للتجارة الحرة، واستكشاف بناء موانئ التجارة الحرة، والجمع بين حماية حقوق الملكية الفكرية لإنشاء بيئة عمل أكثر ودية، لجذب الشركات متعددة الجنسيات إلى الاستثمار في السوق الصينية ومشاركة كعكة السوق الاستهلاكية الصينية.
رابعاً، قوة دافعة جديدة للتعاون الاقتصادي. وفي هذا، تلتزم الصين زيادة التكامل والتعاون مع الاقتصادات الأخرى. طرحت الصين مبادرة «الحزام والطريق» لتعزيز تواصل البنية التحتية والترابط التجاري والصناعي للبلدان؛ وإنشاء منصات مثل معرض الصين الدولي للاستيراد، لتوسيع التجارة في السلع والخدمات، ومعرض الصين الدولي للتجارة في الخدمات، ومشاركة أرباح تنمية الصين وسوقها الواسعة مع البلدان الأخرى.
ستعمل الصين على زيادة نسبة الصناعات كثيفة رأس المال والمعرفة في تجارة الخدمات، وستزيد من انفتاح التعليم والصحة والثقافة وغيرها من الخدمات على رأس المال الأجنبي والخاص، وتحسن مستوى الاقتصاد الرقمي وتدويل التجارة الرقمية، وخلق شبكة تجارة رقمية جديدة.
خامساً، منصة جديدة للتجارة الحرة. حيث ستستفيد الصين من مزايا السوق الضخمة وإمكانات الطلب المحلي لتصبح محركاً أكثر مرونة وحيوية واستدامة للنمو الاقتصادي العالمي، لتحقيق الترابط والتفاعل بين الصين والعالم بمستوى أعلى من خلال تعريفة أقل وقائمة سلبية أقصر وبيئة عمل أفضل، وتوفير قوة دفع ضخمة لعملية التجارة الحرة العالمية والإقليمية.
وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أعلنت الصين عن الخطة الشاملة لإنشاء مناطق التجارة الحرة التجريبية في بكين وهونان وآنهوي، مما زاد عدد مناطق التجارة الحرة التجريبية في الصين إلى 21. سنستفيد من السياسات ذات الصلة لمناطق التجارة الحرة التجريبية لضمان سلامة واستقرار السلسلة الصناعية وسلسلة التوريد، ونقوم باستكشاف التنمية المتمايزة حسب الموارد المتاحة لكل منطقة، وبناء اقتصاد مفتوح أعلى مستوى.
المملكة العربية السعودية شريك استراتيجي مهم للصين في منطقة الشرق الأوسط، وفي ظل الوضع الجديد، يواجه التعاون الثنائي فرصاً جديدة. نحن على استعداد لتعزيز الالتقاء بين مبادرة «الحزام والطريق» و«رؤية السعودية 2030». ومع الحفاظ على التعاون الاقتصادي والتجاري والطاقة التقليدي، سنركز على استكشاف إمكانات التعاون الاستثماري، وتشجيع وتوسيع الصادرات السعودية إلى الصين، وتنفيذ تعاون عالي التقنية، ورفع مستوى التجارة الحرة، ليخلق نقاط نمو جديدة للتعاون البراغماتي.
إن الإصلاح والانفتاح للصين اتجاه تاريخي لا رجوع فيه. والتعاون والمنفعة المتبادلة خيار حتمي لجميع البلدان لتحقيق التنمية. ومن المصالح المشتركة لشعوب العالم أن تتكاتف لبناء مجتمع ذي مصير مشترك للبشرية. نحن على استعداد لإجراء تعاون متبادل المنفعة مع المملكة العربية السعودية لتقديم مساهمات أكبر في التنمية الاقتصادية للبلدين والعالم.
- السفير الصيني لدى السعودية