حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

حوار هادئ مع ماكرون

حتى ندرك أن الرئيس الفرنسي أخطأ في تصريحه الأخير ووضع نفسه في عش الدبابير الديني حين قال إن «الإسلام يعيش أزمة»، نطرح هذا التساؤل البسيط: هل بإمكان «فخامته» أن يقول إن «الديانة اليهودية تعيش في أزمة» لأن عدداً من متطرفي اليهود ارتكبوا أعمالاً إجرامية ضد السكان الفلسطينيين العزّل؟ أو لأنَّ فئة متطرفة في يهود فرنسا أصرَّت على تعزيز خطاب ديني متطرف يتنافى مع القيم العلمانية الفرنسية؟ أو لأن اليهود الأرثوذكس تصر نساؤهم ورجالهم على ارتداء ملابس دينية وتصر على طريقة محددة متشددة في ذبح حيواناتها وتحرص على مدارسها اليهودية؟
وهل بإمكان الرئيس ماكرون القول بأن الديانة المسيحية تعيش أزمة هي الأخرى لأن اليمين الديني المسيحي المتشدد في الدول الغربية يتنامى نفوذه، وتتعاظم قوته، وجل طروحاته تقوم إما على أفكار دينية إقصائية متطرفة وإما على نزعة عِرقية عنصرية تكره كل الألوان إلا «الأبيض»؟ وهل بمقدور فخامة الرئيس ماكرون أن يقول بأن الديانة الهندوسية أيضاً تعيش أزمة لأن المتطرفين الهندوس يكثفون اعتداءاتهم الوحشية ضد أتباع الأقلية البوذية أو الأقلية المسلمة في الهند؟ وقلْ الشيء ذاته عن الديانات البوذية والزردشتية وبقية الملل والنِّحل وكل الأديان السماوية والأرضية.
إنْ كان الجواب بأن ماكرون لا يستطيع وصف هذه الديانات بأنها تعيش أزمات، لأن من الحيف والظلم والجور أن يعمِّم حكم المتطرفين على هذه الديانات والمذاهب البريئة، وهذا حق ومنطقي، فلماذا الإسلام وحده الذي يعيش أزمة، والأزمة الحقيقية هي في المسلمين المتطرفين والإرهابيين والمتشددين؟ والمتطرفون والمتشددون والإرهابيون موجودون في كل الأديان والمذاهب والأعراق والأجناس والألوان، هذه حقيقة دامغة أقر بها كل عقلاء العالم من الساسة والعلماء والمفكرين والمثقفين والمنظرين، فلماذا إذاً تعزيز «الإسلام فوبيا» واستفزاز أتباع أكبر ديانة في أوروبا بعد الديانة المسيحية؟ هذا ما أغضب الأزهر «المعتدل المتسامح»، وجعله يرفض تصريحات ماكرون التي تنسف، برأيه، «كل الجهود المشتركة للقضاء على العنصرية والتنمر ضد الأديان».
نحن نتفق مع من يرى أن هناك شريحة في الأقليات المسلمة في الدول الغربية تعاني من إشكالات مثل الاندماج المنضبط في المجتمعات الغربية، وأن الحاجة ملحّة لكسر تقوقعها وتكدسها في أحياء بدأت تشكّل «غيتوهات» قد تكون بيئة خصبة للمتطرفين والمتشددين لنشر فيروسات تطرفهم، لكن ليس الحل في اتهام ديانتهم بصناعة هذه الأزمة، لأن مثل هذا النوع من رشق الاتهامات الخطرة للدين ذاته، هو الذي يخلق المناخ الخصب لتعزيز مكانة المتشددين وتسويق فكرهم، لأنهم ببساطة سيقولون: إن العداء والخصومة ضد الإسلام، وليس ضد فئة من المتشددين المسلمين فحسب.