صالح القلاب
كاتب أردني. وزير إعلام ووزير ثقافة ووزير دولة سابق، وعضو سابق في مجلس أمناء المجموعة السّعوديّة للأبحاث والتّسويق.
TT

«فتح» و«حماس»... هل تقاربهما حقيقي أم مجرد مناورة آنية؟!

لأنّ عملية السلام المتأرجحة قد وصلت إلى طرق كلها مغلقة، وانتهت إلى خيار «صفقة القرن» الأميركية، فقد اضطر الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، إلى دعوة مجلس الأمن الدولي إلى اجتماع (طارئ) خاص بالعملية السلمية في الشرق الأوسط، وبالطبع فإنَّ المقصود هو القضية الفلسطينية، حيث إن الحل العادل المقبول قد ابتعد كثيراً ووصل عملياً إلى طريق مسدود، طالما أنّ الإسرائيليين بقيادة بنيامين نتنياهو، ومعهم الإدارة الأميركية، قد أداروا ظهورهم لـ«اتفاقيات أوسلو» التي كانت قد انتهت فعلياًّ وعملياً بعد اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين.
وإنّ ما تجدر الإشارة إليه هو أنه وحتى وإنْ خسر دونالد ترمب معركة الانتخابات الرئاسية المقبلة، فإنّ الأمور بالنسبة للقضية الفلسطينية لن تتغير كثيراً، طالما أنّ التقديرات كلها تشير إلى أن اليمين الإسرائيلي، الذي على رأسه بنيامين نتنياهو، سيبقى يسيطر على مقاليد الأمور في إسرائيل، وطالما أنّ الواقع العربي سيصبح أكثر سوءاً مما هو عليه الآن، وأنّ المعادلة الإقليمية والدولية هي هذه المعادلة التي عنوانها إحراز إيران كل هذه الاختراقات «الاحتلالية» في العديد من الدول العربية، وسيطرة إسرائيل على قرارات غالبية الدول الكبرى والفاعلة في العالم كله!!
المشكلة هنا هي أنّ دعوة أبو مازن لانعقاد مجلس الأمن الدولي في اجتماع طارئ لإيجاد حلٍّ للقضية الفلسطينية على أساس القرارات الدولية، ربما ستكون في ظل كل هذه الأوضاع الدولية والإقليمية، في مقدمتها الأوضاع العربية، مجرد صرخة في واد، إذْ إنّ هناك قضايا أخرى كثيرة تعتبر الأولى بالاهتمام، ثم وإنه مستبعدٌ جداًّ أنْ تستجيب هذه الإدارة الأميركية، وأي إدارة قد تحلُّ محلها، لهذا الطلب الفلسطيني، والمؤكد في هذا المجال أنّ الحركة الصهيونية لا يمكن أنْ «تسكت» على انعقاد هكذا اجتماع، ولا يمكن أن تسمح، لا به، ولا بأقل منه، وهذا يعني أن البديل هو أن تكون هناك وحدة وطنية فلسطينية حقيقية، وليس مجرد مناورة «فصائلية»!!
والمهم هو أنّ المراهنة على حركة «حماس»، بالنسبة لتحقيق لقاء وحدوي بينها وبين حركة «فتح» غير مضمونة على الإطلاق، فالتجارب كثيرة في هذا المجال، وأهمها تلك الخطوة التوحيدية التي كانت قد أقدمت عليها هاتان «الحركتان» في عام 2007 في مكة المكرمة برعاية العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، رحمه الله، التي ما لبثت أن انهارت بعد نحو أسبوع واحد نتيجة بعض التدخلات العربية والإقليمية الفاعلة، من بينها التدخل القطري والتدخل الإيراني، هذا بالإضافة إلى تدخل التنظيم العالمي للإخوان المسلمين.
والمؤكد أنّ الرئيس محمود عباس (أبو مازن) هو الأكثر معرفة بأنّ قرار هذه الـ«حماس» ليس في يدها بل في يد قيادة «الإخوان المسلمين» (العالمية)، وأيضاً في يد إيران ويد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ثم وإنّ هناك بالإضافة إلى هؤلاء جميعاً «دولة التمويل»، أي قطر، التي بعد ازدياد أسعار النفط باتت تتصرف وكأنها دولة عظمى في هذه المنطقة، وباتت «تدْحش» أنفها في شؤون العديد من الدول العربية والإقليمية، والمعروف أنّ قيادة حركة المقاومة الإسلامية، على رأسها إسماعيل هنية، باتت تقضي معظم وقتها في الدوحة، هذا بالإضافة إلى تنقلات متواصلة بين طهران ودمشق... وأيضاً جمهورية حسن نصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية!!
وعليه، فإنّ ما يجب أخذه بعين الاعتبار أنّ أمين سر حركة «فتح» جبريل الرجوب، الذي هو الأكثر معرفة بـ«حماس»، كان قد بادر إلى قرع أبواب «حركة المقاومة الإسلامية» من أجل وحدة فلسطينية، ولو بالحدود الدنيا، لمواجهة المستجدات الطارئة، من بينها «صفقة القرن» هذه، لكن ما كان مفاجئاً هو أنّ إسماعيل هنية ومعه بعض قادة هذه الحركة «الإخوانية» قد أداروا ظهورهم لهذه المبادرة، التي كان وصفها فلسطينيون كثيرون بأنها ضرورية، وهذا يعني، وبالتأكيد، أنّ هؤلاء سيديرون ظهورهم أيضاً لهذه المبادرة الجديدة التي أقدم عليها أبو مازن، الذي من المعروف أنه الأكثر معرفة من بين القادة الفلسطينيين بالتنظيمات الفلسطينية الفعلية والشكلية، وبالطبع من بينها هذه الحركة «الإخوانية» التي جاءت متأخرة جداًّ عن بدايات انطلاقة العمل الفدائي الفلسطيني في عام 1965.
إنّ «حماس»، التي جاءت متأخرة اثنين وعشرين عاماً من انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، والتي ما إنْ «تمكّنت»، كما يقال، حتى قامت بانقلابها الدامي على حركة «فتح»، وعملياًّ على منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا كان بعد أربعة شهور فقط من اتفاق مكة المكرمة الآنف الذكر، مما يعني أنها لن تكون صادقة بخطوتها الوحدوية الجديدة هذه، فالمعروف أنّ «الإخوان المسلمين» حركة مناورة، وأنهم أهل «تقية»، يظهرون غير ما يبطنون، وأنهم انقلبوا حتى على الدول التي احتضنتهم، وأكبر مثال على هذا هو ارتدادهم الانقلابي على مصر، إنْ في العهد الناصري، وإنْ قبل وبعد ذلك، وارتدادهم على الأردن الذي كان بادر إلى احتضانهم، ومكّنهم من احتلال مواقع رئيسية في الدولة الأردنية.
إنّ هناك حديثاً نبوياًّ شريفاً، يتجاهله «الإخوان المسلمون»، يقول: «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين»، والمفترض أنّ الذين يمدّون أيديهم لحركة «حماس» في هذه الفترة الخطيرة يتذكرون أنّ هذه الحركة عندما اشتد عودها قد بادرت في عام 2007 لانقلابها الدموي على حركة «فتح»، وحيث فعلت في قطاع غزة ما لم تفعله أسوأ الانقلابات العسكرية الدموية بإلقاء الشبان «الفتحاويين» من فوق الأبراج المرتفعة، وإخراج كل القادة الفلسطينيين، على رأسهم أبو مازن، من هذا الإقليم الفلسطيني، الذي يعرف الكبار سناًّ من أبنائه أنّ الرئيس الفلسطيني عندما كان يحتل موقعاً فاعلاً في دولة قطر، كان يتردّد على «قطاعهم» باستمرار لاختيار مئات الموظفين للعمل في قطر.
إنه لا شك في أنّ هذه خطوة في غاية الأهمية، أنْ تكون هناك وحدة وطنية فلسطينية في هذه الظروف الفلسطينية الصعبة والخطيرة، وأنْ تضم هذه الوحدة أيضاً «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» و«الجبهة الديموقراطية»، وأيضاً حتى القيادة العامة، و«الجهاد الإسلامي»، و«الصاعقة»، و«جبهة التحرير العربية»، والمعروف أن بعض هذه التنظيمات هي مجرد تنظيمات وهمية، أما بالنسبة لـ«حماس» فإنها تنظيمٌ «إخوانيٌ» له ارتباطاته العربية والدولية، وإنها كانت قد عملت وهي لا تزال تعمل لتكون بديلاً لهذه التنظيمات كلها، في مقدمتها حركة «فتح»، ولتصبح الأمور في الضفة الغربية كما هي في قطاع غزة، الذي تحوّل إلى دولة «إخوانية» تديرها دولة قطر ومعها دولة الولي الفقيه الإيرانية، وبالطبع، وفوق هؤلاء جميعاً، تركيا الإردوغانية!!
إنّه لا شك إطلاقاً في أنّ الرئيس أبو مازن صاحب تجارب كثيرة في هذا المجال، وإنّ المؤكد أنه الأعرف، إنْ سابقاً، وإنْ لاحقاً، وحتى الآن، بأهمية الوحدة الوطنية وضرورتها، لكن المشكلة هي أنّ «حماس» التي كانت قد أخرجت من الضفة الغربية بالقوة قد بقيت تسعى لتعود إليها، وإنْ بالقوة أيضاً، وهنا فإنّ المؤكد أنه لن يكون لها أي هدف، إلاّ هذا الهدف، إنْ هي عادت إلى هذا الجزء من فلسطين، ومع العلم أنها وبالتأكيد ستبادر، وعلى الفور، وبمجرد عودتها إلى فعل ما كانت فعلته في غزة، ومع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أنّ الإسرائيليين ينتظرون هذا كله كي يتخلصوا نهائياً من اتفاقيات أوسلو وعملية السلام.