مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

خيانة جماعية

لا جديد في الحراك السياسي اللبناني؛ فالطائفية واتباع تعليمات طهران تسودان مشهد هذا البلد الصغير ومشاكله الكبيرة، فالبوصلة السياسية تتجه بالدولة إلى الانهيار بعدما أعلن رئيس الوزراء اللبناني المكلف، مصطفى أديب، اعتذاره عن مهمة تشكيل الحكومة؛ فالتوافق السياسي لتشكيل الحكومة في لبنان لم يعد قائماً.
لأجل ذلك، لم يجد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سوى تلك الكلمات التي وصف بها أحزاب لبنان بخيانة جماعية، بعد تعهدات له، في ختام زيارته الأخيرة إلى بيروت، بتشكيل «حكومة بمهمة محددة»، مؤلفة «من مجموعة مستقلة» وتحظى بدعم الأطراف السياسية كافة في مهلة أقصاها أسبوعان.
ففي هذه الظروف، التي أعقبت فشل تشكيل الحكومة عنونت صحيفة «لوريان لوجور» الناطقة باللغة الفرنسية «صفحة مصطفى أديب طُويت والآن؟»، واصفة العجز عن تشكيل الحكومة بأنه «قفزة نحو المجهول»، فهل لبنان سيبقى عالقاً في تكرار عقيم ومصير مجهول؛ ففي الآونة الأخيرة انتكس وتحولت طاقته إلى دمار من أجل الدمار، ومر بحلقات متشابكة تلتقي حوافها وخطوطها في كل مرة عند نقطة التلاشي، بعد تصاعد المخاوف الأمنية أيضاً بعد مقتل عسكريين لبنانيين على يد «إرهابيين»، فكل الدلالات الأخيرة وجوانب الحياة المظلمة على حد سواء تسير نحو المجهول.
فمنذ بدأت حياة لبنان الزمنية المضطربة وفكرة التناحر تعشعش في عقول الأحزاب وستنفجر بعدما اكتملت حقيقة مشروع التدخلات لقوى خارجية مثل إيران المهددة بانهيار مجتمع القانون ورفع الضمانات التي تحمي الأفراد، بلد معاشه منذ ذلك الحين على مبدأ طائفي في جوهره، وضياع الفرصة التي أتيحت له على اعتبار أن الدولة بقيت في مهب الريح، ومبعث الكثير من النزاعات وحروب أهلية طاحنة وشل الحركة ذات البعد العالمي، حيث ترضخ لتوزيع جديد للأرض للقوة الأكثر نفوذاً في البلد من حزبين دون البقية، ونطاقات صراع محتدم وآيل للاحتلال والنهب.
وفيما تبقى، لم يتحقق ما دعا إليه الرئيس الفرنسي بعد أن تفاقمت الأزمة بسبب انفجار 4 أغسطس (آب) في ميناء بيروت، بسبب تفجير آلاف الأطنان من نترات الأمونيوم وقتل ما يقرب من 200 شخص وجرح الآلاف وتسبب في خسائر تقدر بمليارات الدولارات، ما من شك أن الحالات المضطربة التي تمر بها البلاد نتيجة الذوبان للولاءات المزدوجة، وهي جريمة تهدد وجود أمة ودولة، فالبلد في حاجة ماسة إلى مساعدة مالية، لكن فرنسا وقوى دولية أخرى رفضت تقديم المساعدة قبل إجراء إصلاحات جادة؛ لأن كثيراً من العوارض المصطنعة أصبحت موسعة ويصعب لملمة شتاتها وتشكل موضوعاً شائكاً، وتنحو به إلى أزمة من الفساد المنهجي وسوء الإدارة من قبل الطبقة الحاكمة في لبنان وعنف الهيكلية للنظام السائد.
من المسائل الأساسية التي طرحها الرئيس الفرنسي ماكرون في المؤتمر، بأن طبقة سياسية فاسدة استحوذت على السلطة في لبنان، ولم يلتزم أولئك بما تعهدوا به في تشكيل حكومة وفضّلوا مصالحهم على مصلحة البلد، وإن «حزب الله» لا يمكن أن يستمر كميليشيات مسلحة وهو يشكل حزباً سياسياً، مشيراً إلى أن «حزب الله» يجب أن ينهي دوره العسكري في سوريا، وأن القوى اللبنانية خانت تعهداتها بتشكيل حكومة، أياً كان الحال، لن تترك فرنسا الشعب اللبناني من دون مساعدة، ولكن بعد البحث عن سبل لقطع التعاون مع إيران وإيقاف التدخلات الخارجية، ليس هذا فحسب، بل ردد بأن المخاطر في لبنان كبيرة، ومقاولو العنف الذين يعملون في الخفاء، أو مسؤولون سياسيون يحتلون مواقع سلطة داخل البنيات الرسمية للدولة يجب إيقاف فسادهم وخيانتهم، وأعطى مهلة للأحزاب في السلطة من 4 إلى 6 أسابيع لتشكيل حكومة، وشدد على أنه من غير المجدي تشكيل حكومة سياسية بهذا الوضع وهذا الشكل.
نعم، إنها خيانة جماعية من طبقة سياسية كشفت عن أنه لا يوجد لديها أدنى إحساس بالمسؤولية للبنان، بل هي المصالح أولاً وأخيراً المرتبطة بمشاريع دولة مارقة هي إيران، ولا يبدو أنهم يقرأون المشهد الدولي جيداً، فإذا وضعت فرنسا ثقلها الدولي بمعالجة ملف لبنان، هذا يعني أنها تحظى بدعم دولي واسع في هذه المهمة، فإما أن يقوم ساسة لبنان بواجباتهم التاريخية بعودة استقرار بلدهم اقتصادياً وسياسياً، وإلا فإنَّ المجهول هو مصير لبنان وشعبه.