على امتداد العقود الماضية، ازدادت الحجج الداعية لتعزيز قوة النقابات العمالية قوة وضعفا في الوقت ذاته؛ فمن ناحية، مع جمود الأجور وارتفاع الأرباح بصورة هائلة، يبدو أن هناك أمرا غير منطقي يتعلق بتوازن القوى بين العمالة ورأس المال. والواضح أن العمال بحاجة لسبيل جديد لإجراء مفاوضات جماعية لضمان الحصول على مزيد من المال.
من ناحية أخرى، اتخذت النقابات، خصوصا المرتبطة بالقطاع العام، الكثير من الخطوات خلال العقود الماضية أسهمت في تصلب أماكن العمل، خصوصا الحكومة. مثلا، تحولت نقابات المعلمين لأكبر عائق أمام الإصلاح المدرسي. وبالمثل، تحولت نقابات الشرطة لعائق أمام الإصلاح الشرطي.
وإذا نظرنا إلى جميع المقترحات التي جرت مناقشتها منذ وقوع حالات مايكل براون في فيرغسون بميسوري، وإريك غارنر في نيويورك، ستجد أن النقابات الشرطية عارضتها جميعا.
على صعيد آخر، خلصت دراسة أجرتها محطة «دبليو إن واي سي نيوز» في نيويورك، إلى أنه منذ عام 2009 تم رفع دعاوى باتهامات «مقاومة إلقاء القبض» من جانب 5 في المائة فقط من ضباط شرطة نيويورك. ويعني ذلك أن غالبية الضباط نادرا ما يدخلون في مواجهات تسفر عن توجيه مثل هذا الاتهام، بينما قلة من الضباط غالبا ما تتورط في مواجهات عنيفة.
ومع ذلك، يبقى من العسير التخلص من العناصر السيئة داخل صفوف الشرطة، ذلك أنه في خضم سعيها لحماية أعضائها تسببت النقابات في إضعاف آليات المحاسبة. مثلا، تتسم عملية التحقيق مع أفراد الشرطة بليونة أكبر عن أي فئة أخرى. وفي بعض أجزاء البلاد، تنص عقود عمل الشرطة على حصول الضباط على فترة تهدئة تبلغ 48 ساعة قبل الاضطرار للرد على أية أسئلة. كما يملك ضباط الشرطة القدرة على التعرف على الأسماء والاطلاع على شهادات متهميهم. ولا يجوز استجواب ضابط الشرطة إلا من جانب شخص واحد في المرة الواحدة. ولا يجوز تهديده باتخاذ إجراء عقابي ضده خلال الاستجواب.
الأخطر من ذلك، أن أفراد الشرطة الذين يتعرضون للعقاب يمكن إعادتهم لأعمالهم عبر عملية استئناف سرية تفضل مسألة الاحتفاظ بالوظيفة على ضمان السلامة العامة.
جرى الحديث منذ فترة طويلة عن تجهيز أفراد الشرطة بكاميرات محمولة. في ميامي وبوسطن، أبدى مسؤولو المدينة اهتمامهم بمثل تلك الخطط، لكن سرعان ما تحركت النقابات المحلية لإحباطها، متعللة في ذلك بأن ارتداء كاميرات «سيشتت انتباه الضباط بعيدا عن واجباتهم، ويعيق قدرتهم على الفعل ورد الفعل خلال المواقف الخطيرة».
في أعقاب أعمال الشغب التي اندلعت في فيرغسون، ظهر إجماع وطني بأن الشرطة ليست بحاجة لمركبات ضخمة مقاومة للألغام ومزودة بحماية ضد الكمائن وقاذفات القنابل اليدوية. إلا أن هذا البرنامج يحظى بتأييد داخل واشنطن من قبل صناعة الدفاع والنقابات. وصرح مسؤول تنفيذي بإحدى النقابات الشرطية لـ«بلومبيرغ نيوز» في وقت سابق من هذا الشهر، بأن ممثلين عن نقابة «جمعية أخوية الشرطة» تواصلوا مع «قرابة 80 في المائة من أعضاء مجلس الشيوخ ونصف أعضاء مجلس النواب» للدفاع عن البرنامج. وكتب ممثل عن «الاتحاد الدولي للجمعيات الشرطية» في أغسطس (آب) بعد حادث قتل براون أنه «اعتقد أن الضباط المعنيين بفرض القانون ينبغي أن تتوافر لهم جميع الأدوات اللازمة للقيام بمهمتهم وحماية مجتمعهم».
الواضح أن اليسار لا يرغب في التصدي للنقابات الشرطية لكونها نقابات، بينما يمتنع اليمين عن ذلك لأنها تمثل القانون والنظام. ويتجنب السياسيون من مختلف التوجهات ذلك للقوة التي تتميز بها هذه النقابات.
الآن، لدينا حالة يمكن أن تشكل اختبارا للأفراد الذين ينظمون مسيرات بسبب قضية غارنر والذين يملكون شجاعة فرض التغيير. لقد اتخذت الجهود النقابية المشروعة منحى متطرفا لغياب القيود التي تكبح جماحها. ورغم أن معظم أفراد الشرطة يضطلعون بمهامهم الصعبة على نحو جيد، فإننا نعاين الآن أزمة مساءلة.
* خدمة {نيويورك تايمز}
7:2 دقيقه
TT
النقابات في أميركا.. بين التأييد والاتهامات
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة