خالد البسام
كاتب ومؤرخ بحريني
TT

آيديولوجيا الحب

صبر الروائي الراحل غابرييل غارسيا ماركيز طويلا على صحافي شاب راح يمطره بالأسئلة بعد خروجه من أحد المؤتمرات، بل أمهله كثيرا من الوقت لأسئلته السخيفة: ما هي آيديولوجيا ماركيز؟ يقال إنك ماركسي؟ هل تؤمن بالآيديولوجيا؟ هل أنت يساري؟
بعد طول انتظار رد ماركيز على الصحافي وعلى وجهه ابتسامة الواثق والمختصر لكلام طويل: «آيديولوجيتى الوحيدة هي الحب!».
ليس هناك ما هو أسهل من هذه الإجابة وليس ما هو هناك أصعب منها!
فعندما قال الروائي الراحل هذا الكلام الجميل كانت النظريات والأفكار الكبيرة تنهار بأسرع من كل التوقعات، وتحال كل الآيديولوجيات التي صدعت رؤوس الناس لقرون كثيرة إلى التقاعد أو تشطب من سجلات البشرية!
للوهلة الأولى، فالحب هو أعظم آيديولوجيا على الإطلاق، لم يؤمن بها كثير من البشر مع الأسى الشديد، لكن كان هناك بالمقابل ملايين من الناس وجدوا في قيم الحب ومبادئه النبيلة أشياء من المستحيل الحصول عليها في قيم أخرى. ففي الحب عرفوا أهم المشاعر الجميلة والأحاسيس الرائعة التي تشعرهم بدفء قلوبهم التواقة للحياة الطاردة للكراهية والبغضاء.
من المفترض ألا يكون الحب آيديولوجيا مثل بقية الآيديولوجيات في الدنيا، فهو أصلا حياة وممات، وقيم ومشاعر نبيلة وجميلة، ولا ينتمي لزمن أو لمكان، وصالح لكل وقت وعصر.
لكن، أن يكون الحب آيديولوجيا في هذه الأيام، فليست تلك مشكلة كبيرة عند المجرمين والإرهابيين واللصوص كما أرى! فالآيديولوجيات تقابلها آيديولوجيات أيضا! فنحن نرى بعض البشر، وهم ليسوا قلة بالمناسبة، يعلنون ولاءهم بوقاحة شديدة للكراهية، ويعلنون عن قتل الناس وذبحهم لمجرد الاختلاف في الرأي! ولا يعترفون إلا بآيديولوجيا الكراهية والحقد التي ينتمون إليها ويخلصون الولاء لها!
غير أن زماننا الأغبر يريد أن يعزل الحب، فيضعه في خانة الآيديولوجيات العقيمة والنظريات البالية، فيصبح مثلها يصلح لأيام قليلة لا لقرون طويلة!
وحتى لو بقي الحب آيديولوجيا، فهو قوة عظيمة، وليس مجرد مشاعر عابرة، إنه قلب يهبنا الطمأنينة، ويجعل عقولنا تعيش بسعادة وتكبر بزهو وتعمل براحة.
لا شيء مثل الحب يمنحنا البقاء في أرض يملؤها الجمال والكثير من الحنان والأمل.