وإذْ تحتفلُ المملكة العربية السعودية في هذا اليوم الثالث والعشرين من سبتمبر (أيلول) (الأول من الميزان) باليوم الوطني السعودي، إنما تحتفل بنجاح ملحمة من العطاء خطتها الإرادة القوية، وجسَّدتها الرؤية الوطنية لقيادة تاريخية بدأت مع توحيد المملكة على يد المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود قبل 90 عاماً، وما زالت تبحر في أمن واستقرار ونمو في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ والأمير محمد بن سلمان، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع ـ حفظه الله ـ حيث تتوالى النجاحات وتتحقق الإنجازات، التي تصنعها رؤية القيادة ويساندها شعب عربي مسلم بايع قيادته على الوقوف خلفها، وهكذا يفعل وسيظل بمشيئة الله.
توحيد المملكة العربية السعودية قبل 90 عاماً واحدة من أهم إنجازات القرن العشرين على الصعيد الدولي، حيث تم توحيد مملكة مترامية الأطراف وانصهار شعبها في بوتقة دولة عظيمة رائدة هي المملكة العربية السعودية خلف قيادة حكيمة ورشيدة أقامت العدل، وطبقت الشرع، وحققت المساواة وتكافؤ الفرص، في نجاح غير مسبوق في المنطقة ليجسد مسيرة ناجحة لدولة قوية استطاعت الصمود في وجه التحديات والمتغيرات التي شهدتها المنطقة والعالم منذ بداية التأسيس وحتى الآن، وحافظت على استقرارها وأمنها، رغم الأنواء والأعاصير التي هبَّت ولا تزال على المنطقة، واستطاع الربان الماهر في كل المراحل أن ينجو بها إلى بر الأمان.
على صعيد النهضة والبناء، استثمرت قيادة المملكة الثروات الطبيعية في تحقيق التنمية وتعظيم مردودها، حيث تعاملت مع النفط كسلعة تجارية استراتيجية، لا ورقة سياسية، أو أداة للمناورة، ووظفت عوائدها في بناء دولة عصرية تبوأت مكانة عالمية مرموقة في سنوات قليلة، وشيدت نهضة شاملة استهدفت بناء «الإنسان» و«المكان» معاً.
المملكة العربية السعودية ومنذ عهد الملك المؤسس وأبنائه الملوك البررة، اهتمت ببناء «الإنسان» من خلال خطط ورؤى استراتيجية شملت التعليم والصحة والفكر والثقافة والرياضة، والإسكان والمرافق المختلفة فعملت على بناء المدارس والجامعات والمستشفيات، وبالتوازي وفّرت المسكن المناسب للمواطن، وأتاحت فرص العمل للجنسين الذكور والإناث، وأنشأت المصانع بمختلف أنواعها ومحطات الكهرباء وتحلية المياه، وأدخلت التكنولوجيا الحديثة في الإنتاج والتصنيع والتعليم، وغير ذلك، وأتاحت الفرص النادرة أمام القطاع الخاص للمشاركة والمساهمة في البناء والإنتاج ليكون الاقتصاد متعدد الأدوات والمصادر.
واهتمت المملكة بإرساء دعائم الأمن الداخلي والخارجي بما يوفر الأمن والأمان، ويحقق تكافؤ الفرص أمام الجميع وتطبيق قيم العدل والمساواة من دون تمييز، وعملت المملكة على إقرار مبادئ الحوار مع الآخر، وأقامت مراكز ومؤتمرات للحوار سواء في الداخل أو الخارج، وأسست للحوار الإيجابي بين أتباع الديانات والمذاهب والثقافات في إطار فلسفة قبول الآخر انطلاقاً من قيم الدين الإسلامي الحنيف ورابط الإنسانية التي تجمع كل بني البشر من دون تفريق أو عنصرية.
وتهتم المملكة برسالتها الإسلامية، فهي التي شرفها الله تعالى باحتضان الحرمين الشريفين والكعبة المشرفة قبلة المسلمين في العالم، الذين يتجهون إليها خمس مرات يومياً بأفئدتهم وأبصارهم في صلاتهم، وقبر الرسول الكريم - عليه الصلاة والسلام - وعلى أرضها تقام شعائر الحج والعمرة وزيارة الرسول الأعظم - عليه الصلاة والسلام - لذلك تتعهد المملكة عمارة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة من أجل راحة ضيوف الرحمن، وهي ترى في ذلك شرفاً لها وتعمل من دون كلل أو ملل أو منّة أو تفضل، بل تعتبره مسؤولية على كاهلها، ويكفي أن رأس الدولة وملكها اختار لنفسه لقب خادم الحرمين الشريفين ليكون قدوة لشعبه قاطبة، ومن ثم جميع أبناء المملكة العربية السعودية، يفخرون بأنهم في خدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن.
كما أن المملكة تعي دورها الخليجي والعربي والدولي؛ فهي عضو مؤسس في التجمعات الإقليمية والدولية من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار ودفع مسيرة التنمية، فهي عضو مؤسس لمجلس التعاون الخليجي، وجامعة الدول العربية، والأمم المتحدة بكل منظماتها الفرعية، إضافة إلى عضويتها في مجموعة العشرين الأقوى اقتصاداً في العالم، وهي رئيسة هذا التجمع العالمي في دورته الحالية، وتعمل جاهدة من خلال رئاستها للمجموعة على مواجهة تداعيات جائحة كورونا، وقيادة المجموعة للتصدي لهذا الوباء، وساهمت مساهمة فعالة في الحد من انتشاره ومعالجة آثاره، إضافة إلى دعم النمو الاقتصادي وتجاوز الكساد الذي يمر به العالم.
والمملكة تواجه التحديات كافة بالاعتماد على العلم والتخطيط السليم وليس الارتجالية أو العشوائية، وهذا ما تبرزه خطط التنمية والتي تجسدها «رؤية 2030» التي وضعت أسس الانطلاق في المجالات كافة بوعي وبصيرة، ووفق الإمكانات المتاحة والفرص الممكنة لتعظيم الإنتاج وتنويع مصادر الدخل وتوسيع القاعدة الاقتصادية وعدم الاعتماد على النفط سلعةً رئيسية في قوام الاقتصاد الوطني، ومن ثم عملت على تنويع مصادر الدخل وتوطين اقتصادات المعرفة، إضافة إلى البرامج الاقتصادية غير التقليدية ولعل مشروع نيوم العملاق يؤكد الآفاق الاقتصادية الواسعة التي يرتادها الاقتصاد السعودي بما يحقق مردوداً اقتصادياً كبيراً يتفق مع تنوع إمكانات المملكة وتعدد الفرص الاستثمارية والإنتاجية بها، كما تعمل المملكة على تنويع وجهاتها الاقتصادية الخارجية في التعامل مع الدول والتكتلات الاقتصادية الكبرى والدول المستهلكة للنفط مع الاحتفاظ بالأسواق التقليدية والشراكات القائمة مع تطويرها لاستمرارها ونموها.
وتظل المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها وحتى الآن دولة تدعو للسلام وتدعم الاستقرار وتتبنى الحلول السلمية لكل قضايا المنطقة والعالم، وقد سبق لها أن تقدمت بأهم المبادرات العربية للسلام لحل القضية الفلسطينية منذ قمة فاس عام 1982، ثم المبادرة العربية التي تبنتها القمة العربية في بيروت عام 2002، إضافة إلى جهودها المتواصلة لحل المعضلة اليمنية ودعم الحلول السياسية في سوريا وليبيا والسودان وفي كل الأماكن المضطربة والساخنة من أجل تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.
في الختام، ومع احتفال المملكة بذكرى اليوم الوطني هذا العام، أتقدم إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - والأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - والحكومة الرشيدة والشعب السعودي الكريم بأجمل التهاني والتبريكات.
* رئيس مركز الخليج للأبحاث
7:44 دقيقة
TT
السعودية: 90 عاماً من ملحمة النجاح والريادة
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة