فيتالي نعومكين
رئيس «معهد الاستشراق» التابع لأكاديمية العلوم الروسية/ موسكو
TT

حول التطبيع بين الإمارات وإسرائيل

بتوصل الإمارات وإسرائيل إلى اتفاق، كما ورد في البيان المشترك للرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وولي عهد الإمارات الشيخ محمد بن زايد، على التطبيع الكامل للعلاقات بينهما، جعلتا هذا الحدث من أهم الأحداث التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط الآن.
عدد التعليقات هائل، مع أن الوقت فقط هو الذي سيخبرنا كيف سيتطور الوضع مع تنفيذ هذا الاتفاق. مرة أخرى تقسم الأحداث العالم العربي والإسلامي. فبالنسبة للبعض، اتفاق الإمارات على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، الذي تعتبره القيادة الإماراتية إنجازاً كبيراً، اعتقاداً منها أنه ينقذ فرص إقامة دولة فلسطينية وهو اختراق تاريخي، وبالنسبة لبعض المنتقدين، وصفه بأنه أقرب لـ«المداهنة». وهذا، بحسب عدد من المعلقين، ليس سلاماً مقابل الأرض، عما كانوا يتحدثون دائماً في السابق، وإنما سلام بلا أرض، لا يأخذ في الاعتبار مصالح الفلسطينيين.
يعتقد زميلي الأميركي الأستاذ بجامعة برينستون والسفير الأميركي السابق لدى مصر وإسرائيل دانيال كورتزر أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه يضع أمام الإمارات العربية المتحدة ثلاثة أسئلة، سأدرجها بإيجاز، بغض النظر عما إذا كنا نتفق مع حكم الأستاذ أم لا. أولاً، هل ستساعد هذه الاتفاقية سعي الإمارات لشغل دور ريادي في المنطقة أم ستعيقه؟ خصوصاً أن ترمب كان قد وضع الإمارات على قدم المساواة مع إسرائيل بوصفها بـ«الصديق العظيم» للولايات المتحدة؟ ثالثاً، ماذا ستفعل الإمارات إذا قرر نتنياهو لأسباب سياسية داخلية ضم الضفة الغربية؟
أعتقد أن أسئلة، بما في ذلك الأسئلة المهمة للغاية، في الواقع، يمكن أن تُثار أكثر بكثير من تلك التي ذكرها السفير السابق، الذي، بالمناسبة، هو منتقد متعنت لسياسات الرئيس ترمب، بما في ذلك تلك المتبعة في الشرق الأوسط. سأقترح ثلاثة من أهمها.
الأول، كما يبدو لي، هو ما إذا كانت الإمارات ستتمكن من تحويل هذا الاتفاق إلى بداية عملية سياسية إقليمية واسعة، من شأنها أن تغير الوضع برمته في الشرق الأوسط، أم أنها ببساطة ستقتصر، على الأقل في المستقبل القريب، على حقيقة أن الدول العربية التي اعترفت بإسرائيل، لن تكون ثلاثاً، كما كانت حتى الآن (مصر والأردن ودعونا لا ننسى الفلسطينيين أنفسهم)، بل أربع. بمعنى آخر، هل ستنضم دول عربية أخرى إلى الإمارات، وإذا كان الأمر كذلك، فمتى ستنضم؟ ولا ندري ما إذا كان هناك في مرحلة إعداد الاتفاق أي اتفاقات حول ذلك بين الإمارات وشركائها في مجلس التعاون الخليجي.
يتساءل زملائي الخبراء أيضاً عن مصير مبادرة السلام العربية، التي وافقت عليها جامعة الدول العربية في عام 2002، وتم تأكيدها في عام 2007.
السؤال الثاني المهم هو: هل يخدم هذا الاتفاق في نهاية المطاف المصالح الطويلة الأمد للفلسطينيين؟ أم على العكس من ذلك، يزيد من عدم إمكانية تحقيقها؟ بمعنى آخر، هل ستدخل الإمارات التاريخ كفائز تمكن، على حساب تسوية مع إسرائيل، من منع ضم جزء جديد من الأراضي الفلسطينية، وهو ما تؤكده القيادة الإماراتية، أم على العكس من ذلك، سيدفن الاتفاقُ الذي تم التوصل إليه نهائياً آمالَ الفلسطينيين في الحصول على حقوقهم الوطنية؟
أودُّ أنْ أؤكد أنَّ الجانب الإسرائيلي «يجمد» فقط، ولا يلغي مخططات الضم الواسع النطاق للأراضي. ووصف نتنياهو ذلك بـ«تعليق بسط السيادة على أجزاء من المناطق»، و«تأجيل مؤقت» لهذه المخططات، ولم يكن من أجل العرب، ناهيك عن الفلسطينيين، بل استجابة لطلب الرئيس ترمب. لماذا يحتاج ترمب إلى هذا، أمر مفهوم: إنَّ أمجاد صانع السلام في الشرق الأوسط هي ورقة جيدة ورابحة في الانتخابات الرئاسية المقبلة والقريبة جداً في الولايات المتحدة، لأنه، بشكل عام، كل ما يتعلق بإسرائيل، كما يُعتقد عموماً، في الولايات المتحدة هو ليس مسألة تخصُّ السياسة الخارجية فقط بل والداخلية أيضاً. فلعل الشرق الأوسط سيساعد في ذلك بعد أن أفسد فيروس «كورونا» والركود الاقتصادي لعبة الرئيس. أما في إسرائيل، فحتى التجميد المؤقت لخطط الضم يزعج معسكر اليمين المتطرف من المستوطنين، الذي يعتبر ممثلوه هذا التغيير في موقف نتنياهو بمثابة الخيانة. ومع ذلك، سيبقى رابحاً في كلتا الحالتين؛ فإذا وصل بايدن إلى السلطة، وهو أمر غير مستبعد على الإطلاق رغم جميع الأوراق الرابحة القديمة والجديدة للرئيس الحالي، الذي أصيبت سمعته، فلن يكون لديه سبب للخلاف مع نتنياهو حول «صفقة القرن».
بالطبع، إذا نجح العرب، بمساعدة الأميركيين، في حمل إسرائيل على إلغاء خطط الضم بشكل نهائي، وليس تأجيل تنفيذها مؤقتاً، فإنَّ الوضع سيبدو أفضل بكثير.
ثالثاً، كيف سيؤثر هذا الاتفاق على العملية السياسية الداخلية بين الفلسطينيين، هذا في حال كان له أي تأثير؟ ليس من المستغرب أن يدين الفلسطينيون، الذين استندوا في استراتيجيتهم الإقليمية إلى عزل إسرائيل، قرار الإمارات، لكننا حتى الآن لا نعرف ما الخطوات التي سيتخذونها بعد زوال الغبار الذي أثارته الصفقة.
لا ينبغي المبالغة في الضرر اللاحق بطهران، لأنَّ التطبيع سيساعد خصومها على توحيد جهودهم. كما كتب غيث العمري على موقع NBC News الإلكتروني، فإنَّ إيران بانتقادها للإمارات، مثل الإعلام التركي والقطري، ستحاول عزلها في المنظمات الإقليمية، على سبيل المثال في منظمة التعاون الإسلامي.
الكرة الآن في ملعب الفلسطينيين. الوقت ليس للردود الانفعالية، رغم أنني، بصفتي صديقاً قديماً مخلصاً للفلسطينيين، أتفهم هذه الردود الانفعالية، ولكن الوقت هو للقرارات المتزنة والرزينة. من غير المرجح أن يساعد استدعاء السفير الفلسطيني من أبوظبي في حل القضية الفلسطينية. الشيء الرئيسي هو استعادة الوحدة الفلسطينية في أسرع وقت ممكن، وهو ما دعت إليه روسيا دائماً. موقفها لم يتغير. وفي هذا الصدد، أود أن ألفت انتباه القارئ إلى بند مهم في رسالة وزارة الخارجية الروسية بتاريخ 14 أغسطس (آب): «نحن مع تحقيق تسوية شاملة في الشرق الأوسط، التي مكونها الأساسي يجب أن يكون حلاً عادلاً ومستداماً للقضية الفلسطينية، على أساس الإطار القانوني الدولي الذي أقرته الأمم المتحدة، بما في ذلك قرارات مجلس الأمن في الأمم المتحدة ومبادرة السلام العربية و(مبدأ حل الدولتين) الأساسي».
تعتبر روسيا تعليق بسط سيادة إسرائيل على جزء من الضفة الغربية المحتلة لنهر الأردن أمراً مهماً، لأن تنفيذه سيؤدي إلى «تبديد آفاق إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة ومتكاملة ومتواصلة وغير مقطعة».. أؤكد: متواصلة وغير مقطعة، ما يدل على أن روسيا تدعو في ظل هذه الظروف إلى «تضافر الجهود الدولية والإقليمية» في التسوية وتصرح بأنَّ استقرار الوضع في الشرق الأوسط يجب أن يتم بالدرجة الأولى من خلال حل «القضية الفلسطينية ذات الأولوية».. أؤكد: الأولوية، وهو ما يتناقض تماماً مع موقف من لم يعد يعتبر القضية الفلسطينية مركزية.
روسيا مستعدة للعمل في رباعية الوسطاء الدوليين، لكن يبقى السؤال: هل جميع أعضائها الآخرين جاهزون لذلك؟ وهل يمكن للرباعية أن تلعب دوراً مهماً حقاً؟