سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

أين هما؟

طغى في لبنان منذ عقد على الأقل، اسم جبران باسيل. الحكومات لا تُشكّل إلاّ إذا سمّي فيها. وإذا لم يكن هو، أرسل مكانه مستشاره أو سكرتيرته أو أحد شركائه في الأعمال. وبعد وصول الجنرال ميشال عون إلى الرئاسة، أصبح باسيل يشارك في تشكيل الحكومات، ويعطي رأيه في وزرائها وحقائبها. وباعتباره رئيساً لحزب، صار رئيس الجمهورية كلما استقبل رئيس حزب آخر، مثل وليد جنبلاط أو سمير جعجع، يطلب منه أن يبحث القضايا مع باسيل. وصار باسيل نجم المؤتمرات، يلوّح بيده للجماهير، ويطل على الأمة كل أسبوع عارضاً رؤيته لأوضاع البلاد ومستقبلها.
وعندما نزل اللبنانيون إلى شوارع المدن في 17 أكتوبر (تشرين الأول) هتفوا كل يوم ضد جبران باسيل. وبعض الهتاف كان بذيئاً، ولا يليق بالثورة. وبدل أن يطل الرجل ليعتذر من الجماهير الناقمة، خرج على رأس مظاهرة حزبية ليعتذر من أمه.
لغة واحدة استخدمها منذ ظهوره إلى جانب الرئيس عون، هي لغة التحدي والتحقير والاتهام. ما من مرة أخذ مواقف وشعور الآخرين في الاعتبار أو الاحترام. وعندما تصرف بنزقه المعتاد في حكومة الرئيس تمام سلام، خرج سلام عن صبره ووضعه عند حده. لكن اليوم التالي عاد باسيل يملأ البلد ويعيّن الأنساب. وفي وزارة الطاقة وحدها 40 مستشاراً، بينهم الوزير.
كان لا بد من كارثة مفجعة مثل كارثة الميناء لكي يقتنع صهر الرئيس بأن لبنان ليس حزباً يورَّث كما أورثه حزبه. وأن هذه الصور من البؤس والخوف والموت والدماء النازفة، لا تحتمل المزيد من الاستعراضات والبهلوانيات.
جرت العادة أن يتم البحث عن رئيس الحكومة الجديد بين الرؤساء السابقين. رجلان لا يَرِد اسماهما بين الأسماء: الدكتور حسان دياب، الذي لم يستطع أن يقنع أحداً باستحقاقه لتشكيل حكومة، وجبران باسيل الذي دمّر وزارة الطاقة وقضى على وزارة الخارجية. انتهى عمل دياب السياسي من دون أن يبدأ. تجاهل الرغبة العامة بين الناس، وقرر أن يكون شريكاً في الغطرسة والازدراء، كل ذلك من أجل لقب دولة الرئيس. لكنه حصل عليه لمرة واحدة فقط. ليس الانفجار المريع ودمار بيروت هو الذي أخرجه، بل الأداء الركيك، والسلوك الضعيف أمام رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب. تصرف كأن رئاسة الحكومة عند رجل آخر، وما هو سوى وكيل مؤقت في مرحلة انتقالية. يا متعة لم تدم! أحب الدكتور دياب لقب دولة الرئيس، وأحب السكن في السراي فانتقل إلى النوم فيها منذ الليلة الأولى، وأحب مواكب السيارات الطويلة. لكنه شكّل حكومة باهتة لا تمنحه قوة الإبقاء على هذه المتع.
قد يفاجئك هذا الكلام. ولكنني، بكل صدق، كنت أتمنى لو كان باسيل أقل غروراً وأقل امتلاءً بنفسه، وأقل هوساً بها، فكان وفّر على لبنان هذه المرحلة الصبيانية، وكنت أتمنى لو كان دياب أكثر كفاءة. كنت.