محمود الورواري
إعلامي مصري
TT

صوملة ليبيا... بين تركيا وقطر

قد لا يكون معنى «صوملة» مقصوداً في ذاته هذه المرة، وإنما يتحرك المعنى في غير ما اعتدنا على استعماله. «الصوملة» هي آفة الاقتتال بين أبناء الإقليم والبلد الواحد، ينتج منها تدمير البلد وفتح أبواب التدخل الأجنبي ثم الانهيار والتفتت والانفصال، كما حدث في أرض الصومال «صومالي لاند»، حين أعلنت استقلالها للمرة الثانية عن إقليم الصومال عام 1991، بعد حروب امتدت منذ 1988 قادها الرئيس الصومالي في ذلك الوقت محمد سياد بري.
ذلك هو المعنى المترسخ في وجدان من عاشوا تجربة الاقتتال في الصومال، لكن المعنى الذي أريده هذه المرة هو فكرة كنس رماد الحرائق السابقة بكل ما تحمله من عدوى إلى بلاد أخرى بأيادٍ خارجية.
مؤخراً نشر موقع «صومالي غارديان»، خبراً أن أكثر من ألفي صومالي أرسلتهم تركيا ومعها قطر إلى ليبيا للقتال كمرتزقة، مع قوات فائز السراج ضد الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.
واضح أن الموضوع له أبعاد كثيرة ومتداول بين الصوماليين منذ تسعة أشهر، لدرجة أن هناك حملة صومالية موجهة إلى الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو، تحركها أصوات أمهات هؤلاء الشباب الصوماليين؛ تطالب بالكشف عن مصير أبنائهن المختفين في ليبيا.
تفاعلت الحكومة الصومالية الحالية مع الموقف، وخرج وزير الخارجية الصومالي ينفي أن يكون هناك أعضاء من جيش بلاده الوطني يعملون مرتزقةً في ليبيا.
وقد يكون الرجل محقاً في ذلك، لكن الذين تم إرسالهم إلى ليبيا ليس شرطاً أن يكونوا من المنتمين للجيش الصومالي الرسمي، وإنما بالطبع هم من عامة الشعب الصومالي الذين تخرجوا بعد دورات تدريبية داخل القاعدة العسكرية التركية الموجودة في الصومال.
الصومال بالنسبة لتركيا، أصبح في قبضة سطوة وسيطرة إردوغان منذ أن قام بزيارته الأولى عام 2011، ثم بعدها تم توقيع مجموعة اتفاقيات ترجمت بعد ذلك في تأسيس أكبر قاعدة عسكرية تركية خارج الأراضي التركية عام 2017.
وبالتالي، من الطبيعي أنه بعد تسعة أعوام من الاستثمار «الإردوغاني» في الصومال أن يتحول الصومال إلى خزان مرتزقة ومقاتلين للأتراك، مع كامل التقدير والاحترام للشعب الصومالي.
إردوغان اتبع منذ إعادة توسيع العلاقات التركية الصومالية، على مبدأ الجزرة والإغراء فقد زادت الصادرات التركية إلى الصومال من خمسة ملايين دولار عام 2011 إلى 123 مليون دولار عام 2017.
أضف إلى ذلك، أن إردوغان وعد الحكومة الصومالية، بأنه سيلعب دوراً مهماً في مساعدتهم على مواجهة خطر حركة الشباب الصومالي المتطرفة التي تعتبر هجماتها أكبر تحدٍ أمام استقرار الصومال، وذلك عبر الحليف التركي الأهم في المنطقة وهو «قطر».
قطر التي تعتبر الداعم الأكبر والأبرز لحركة الشباب الصومالي منذ تأسيسها عام 2004 كذراع عسكرية لـ«المحاكم الإسلامية»، بقيادة شيخ رشيد أحمد - ثم انشقت الحركة عن «المحاكم الإسلامية» بعد تأسيس ما عرف بتحالف المعارضة الصومالي.
إردوغان وقطر يلاعبان الرئيس محمد عبد الله فرماجو بورقة حركة الشباب، فلو فكر الرئيس الصومالي في مخالفة أوامر إردوغان وقطر سيتم تقوية حركة الشباب وتمويلها لتلتهم الصومال، كما كان عند تأسيسها، وإن أطاعهم سينتهي التهديد.
قطر تحتفظ بالرجل الثاني في حركة الشباب، وهو أبو بكر علي آدم، ورئيس الحركة حسن عويس المحتجز الآن لدى الحكومة الصومالية، كان على علاقة قوية جداً مع رجل الأعمال القطري المطلوب دولياً عبد الرحمن النعيمي، الذي أعطى عويس دعماً مالياً يصل إلى 250 ألف دولار.
كما أكدت تقارير وزارتي الخارجية والخزانة الأميركيتين، أن قطر قدمت دعماً إلى الجماعات الإرهابية في الصومال يصل إلى 442 مليون دولار.
***
قطر تؤدي دور الخادم الصغير لإردوغان في الصومال.
تركيا تؤدي دور الفتوة الأجير بالنسبة لقطر في ليبيا، في إطار مناكفتها لمصر، في الوقت نفسه إردوغان الذي يؤدي دور الفتوة الأجير، يسعى لاستغلال الخزينة القطرية لاستكمال مخطط كبير، يبدأ من الصومال ويصل إلى ليبيا وغاز شرق المتوسط، وبالتالي يضع إردوغان قدمي أطماعه واحدة في البحر المتوسط والأخرى في البحر الأحمر.
ولكن لماذا الصومال؟
الصومال الموقع الاستراتيجي المهم، باب الدخول إلى أفريقيا، المطل على باب المندب.
لا تقف الأطماع التركية عند حدود البحر الأحمر وباب المندب، وإنما تمتد الأطماع إلى بقية الإقليم الصومالي، بما فيه «أرض الصومال» أو صومالي لاند، حيث الهدف الأهم لإردوغان، وهو الوصول إلى شاطئ خليج عدن ومنها إلى اليمن، حيث تتمتع أرض الصومال بمساحة شاسعة على الشاطئ تصل إلى 650 كيلومتراً من السواحل على خليج عدن، وهنا لو تحقق لإردوغان ذلك يمكن أن تكون هذه المساحة هي مساحة متاعب لكل من يواجه إردوغان على الشاطئ الآخر.
تجلت مساعي إردوغان في تحقيق ذلك حين خصص مبعوثاً تركياً اسمه أولكان بيكر؛ لمنع استكمال الانفصال بشكل رسمي بين «أرض الصومال» وبقية إقليم الصومال.
«أرض الصومال» استقلت كدولة عن بريطانيا عام 1960، ثم دخلت في إطار الحكومة المركزية فيما عرف بإقليم الصومال الموحد، وبعد اقتتال طويل أعلنت إعادة استقلالها عام 1991 وتديرها الآن الحكومة المحلية الخاصة بها.
مصلحة إردوغان في أن يبقى إقليم الصومال بما فيها «أرض الصومال» موحداً، حتى يمكن لقاعدته العسكرية في مقديشو أن تتحرك حتى تصل إلى شواطئ خليج عدن، ومنها يتمدد عبر اليمن.
ثم يتمدد عبر البحر الأحمر ليناكف السعودية ومصر والسودان، على رأس البحر المتوسط وعبر ليبيا تكتمل كماشته على العالم العربي، ووقتها يكون الأمن القومي العربي في خطر.
هنا تأتي بعض المساعي العربية للحد من التغول التركي بمساعدة قطر في المنطقة، منها «منتدى البحر الأحمر» الذي طرحت فكرته عام 2018 كتجمع إقليمي للدول المطلة على البحر الأحمر.
وأيضاً «مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر»، وهو اقتراح سعودي حظي بدعم عربي وأفريقي، لو اكتمل يمكن أن يؤسس حائط صد قوياً ضد أي تدخلات خارجية.