تاي كيم
كاتب من خدمة «بلومبرغ»
TT

الحجة الداعمة لفصل «فيسبوك» عن «إنستغرام» لا تزال قائمة

في جلسة تاريخية عقدت مؤخراً، مثل الرؤساء التنفيذيون لأربع من أكبر شركات التكنولوجيا العملاقة على مستوى العالم أمام لجنة فرعية تتبع مجلس النواب؛ للرد على مجموعة واسعة النطاق من الأسئلة حول ممارساتهم المناهضة للتنافسية والمزاعم المتعلقة بتعمدهم استغلال منصاتهم في الإضرار بمنافسيهم.
وتوافرت أمام كل رئيس تنفيذي منهم فسحة من الوقت في بؤرة الضوء. وواجه رئيس شركة «أمازون دوت كوم إنك» الكثير من الأسئلة بخصوص استغلال شركته العملاقة العاملة بمجال التجارة الإلكترونية بيانات بائع يمثل طرفاً ثالثاً في تنمية منتجاتها التنافسية. في الوقت ذاته، تعرض رئيس شركة «أبل إنك»، توم كوك، لانتقادات بسبب السياسات التي ينتهجها «آب ستور» التابع لشركته الرائدة بمجال الهواتف الذكية. ومع ذلك، ربما كان الاهتمام الأكبر من نصيب سوندار باتشي، رئيس شركة «ألفابيت إنك»، الشركة الأم لـ«غوغل»؛ ذلك أنه واجه استجوابات متكررة بخصوص هيمنة منصة الإعلانات التابعة للشركة وممارسات محرك البحث.
وكانت هناك كذلك شركة «فيسبوك إنك». وعندما حان دور استجواب الرئيس التنفيذي للشركة، مارك زوكربرغ، ركز المشرعون اهتمامهم على حجم الشركة وعمليات الاستحواذ السابقة لها، بما في ذلك «إنستغرام» ومنصة الرسائل «واتساب». ورداً على ذلك؛ دافع الرئيس التنفيذي للشركة عن حجم شركته، ولمح إلى أن الولايات المتحدة في حاجة إلى «فيسبوك» قوي؛ كي تتمكن من القتال في مواجهة تهديدات تنافسية عالمية متنامية من جانب شركات الإنترنت الصينية. علاوة على ذلك، شدد زوكربرغ على أن نجاح «إنستغرام» لم يكن أمراً مؤكداً على الإطلاق عندما استحوذ عليه منذ ثمانية أعوام.
في الواقع، زوكربرغ محق في هذه النقطة، فالمؤكد أن موارد «فيسبوك» لعبت دوراً محورياً في صعود نجم «إنستغرام». إلا أن التساؤل يبقى: ماذا عن الآن؟ الحقيقة أنه مع امتلاك الشركة أكبر تطبيقين في مجال شبكات التواصل الاجتماعي، أصبحت «فيسبوك» الآن القوة المهيمنة أيضاً على مستوى مجال حساس تتزايد أهميته في حياة المستهلكين اليومية.
وتبعاً لما كشفته مؤسسة «باثماتيكس»، فإن 69 في المائة و37 في المائة من جميع الأميركيين البالغين لديهم حسابات فاعلة عبر «فيسبوك» و«إنستغرام»، على الترتيب. في الوقت الذي يحل «تويتر» في المرتبة الثالثة بفارق كبير، 22 في المائة.
بجانب «غوغل»، تعتبر «فيسبوك» الشركة الأخرى الوحيدة التي باستطاعتها إمداد المعلنين ببيانات مستهدفة على نطاق ضخم - تتعلق بالمليارات، بناءً على نشاطات المستخدمين عبر منصتها. ولمزيد من التوضيح، يمكن القول بأنه إذا رغبت شركة ما في شراء إعلانات رقمية فاعلة موجهة إلى الأمهات اللائي يمارسن رياضة كرة القدم داخل منطقة جغرافية وفئة عمرية محددة، فإن «فيسبوك» يظهر هنا كواحد من الخيارات القليلة المتاحة.
وثمة حاجة إلى تناول هذا التركيز للسلطة. أما الحل فيكمن في أنه ينبغي لـ«فيسبوك» فصل «إنستغرام» بعيداً عنها. ومن خلال خلق عنصرين فاعلين منفصلين في مجال شبكات التواصل الاجتماعي، بمقدور الشركات الفردية التحلي بقدر أكبر من الخفة والإبداع؛ الأمر الذي سيتيح وجود سوق أكثر نشاطاً وتنافسية أمام جهات الإعلان والمستهلكين.
ولدى إلقاء نظرة على الموقع الإلكتروني لوزارة العدل الأميركية يتضح لنا أن المبادئ القائمة وراء تشريع مكافحة الاحتكار، تقوم على فكرة تعزيز المنافسة العادلة ومصلحة المستهلكين من خلال ضمان «أسعار أقل وجودة أفضل وخيارات أكثر».
والملاحظ أن هذا الفصل المقترح سيحقق غالبية تلك الأهداف. وبينما دفع زوكربرغ في شهادته أمام مجلس النواب بأن شركته تواجه الكثير من المنافسين، بينهم «آي ميسيدج» و«تيك توك»، تظل الحقيقة أن «فيسبوك» لا تزال مهيمنة على سوق الإعلانات على صعيد شبكات التواصل الاجتماعي اليوم من حيث القيمة الدولارية وأعداد المستخدمين.
على سبيل المثال، لا تزال قاعدة مستخدمي «تيك توك» داخل الولايات المتحدة تقدر بعشرات الملايين، ما يقل بكثير عن مستخدمي المنصتين التابعتين لـ«فيسبوك». حتى زوكربرغ وحاملو أسهم «فيسبوك» بإمكانهم الاستفادة من إقرار فصل؛ لأنه من المحتمل أن يولي مستثمرون قيمة أكبر لـ«إنستغرام» يقف قائماً بذاته، بفضل نموه السريع ومستخدميه الأقل سناً؛ ما يجعلهم أكثر جاذبية داخل السوق.
بطبيعة الحال، يختلف «فيسبوك» مع هذا الطرح، لكن الفكرة التي طرحها زوكربرغ حول أنه يتعين على «فيسبوك» البقاء ضخمة كي تتمكن من المنافسة أمام الصين، لا تبدو مقنعة. تجدر الإشارة هنا إلى أن الأرقام الأخيرة الصادرة عن مؤسسة «كومسكور» تشير إلى أن كلاً من «فيسبوك» و«إنستغرام» تتميزان بحجم ضخم داخل الولايات المتحدة، وتتجاوز قاعدة المستخدمين لدى كل منهما حاجز الـ100 مليون.
بجانب ذلك، فإن الصعود الأخير لتطبيق «تيك توك» المملوك لشركة «بايت دانس المحدودة» يعتبر في حد ذاته دليلاً على أن الحجم مؤشراً أقل أهمية على النجاح، مقارنة بالابتكار وتميز السمات.
أيضاً، أشار زوكربرغ إلى أن الحجم الضخم للشركة ضروري للتمتع بالموارد اللازمة لمكافحة المعلومات المضللة والعناصر السيئة داخل المنصات. إلا أن هذه الفكرة لا تصمد أمام حقيقة أن «تويتر» يقدم أداءً أفضل على هذا الصعيد، رغم أنه شديد الضآلة مقارنة بحجم «فيسبوك».
الحقيقة أن مجمل الإنفاق ليس المشكلة، وإنما الواضح أن «فيسبوك» يقدم أداءً دون المستوى على صعيد تحديد الأولويات وامتلاك القوة الأخلاقية التي تمكنه من اتخاذ إجراءات قوية وحاسمة ضد المعلومات المضللة، وخطابات الكراهية ونظريات المؤامرة الكاذبة.
تجدر الإشارة إلى أنه خلال هذا الأسبوع فقط نجح فيديو حول علاج زائف لفيروس «كوفيد - 19» في الانتشار سريعاً عبر منصة الشركة قبل أن يقدم المسؤولون عن الموقع على حذفه. الواضح أن «فيسبوك» لا يزال أمامه الكثير لفعله على صعيد سياسات المحتوى.
من ناحيتها، ربما تحاول الشركة تجاهل تلك الانتقادات والتركيز على نجاحها المالي. وبالفعل، من المحتمل أن يعلن «فيسبوك»، عن نتائج ربع سنوية قوية في ظل تفوقه بمجال الإعلانات المستهدفة واتساع قاعدة عملائه. كما أن إعلاناته القائمة على الاستجابة المباشرة تلقى أصداءً جيدة لدى التجار العاملين في مجال التجارة الإلكترونية الذين يشهدون ازدهاراً في خضم التزايد الشديد في نشاطات التسوق عبر الإنترنت بسبب وباء «كوفيد - 19». ومع هذا، فإن نجاح «فيسبوك» يؤكد هيمنة الشركة السوقية.
ولا يزال بإمكان زوكربرغ، الذي يملك سيطرة كاملة على «فيسبوك»، تجنب هذه المسألة من خلال طرح خطة فصل. وإذا لم يفعل ذلك، ينبغي للجهات التنظيمية والكونغرس التفكير في فرضها عليه، خاصة أن هذه الخطوة ستفيد المستهلكين وتوفر للشركات الكبيرة والصغيرة المزيد من الخيارات وتقود إلى مزيد من الابتكار. وفي نهاية الأمر، لن يكون لهذه الخطة الكثير من الجوانب السلبية.

- بالاتفاق مع «بلومبرغ»