فرانسيس ويلكنسون
TT

الحرب على الكمامات الواقية

انتشار الوباء الفتاك عبر مختلف بلدان العالم يرقى إلى أن يكون أبرز القضايا الخاسرة في القرن الحادي والعشرين، فهو يثير صراعاً مريراً مفعماً بالأساطير والخرافات والأكاذيب، ذلك الذي سوف يخلف وراءه خسائر عظيمة وفادحة في ساحة المعركة التي تشمل العالم بأسره.
لقد أثار وباء «كورونا» المستجد حالة بالغة التعقيد من المحفزات الصحية، ناهيكم عن الأزمات الاقتصادية والسياسية. فقد تمخضت تلك الأزمة عن أزمات أخرى، تمثلت في الاستجابة القاسية للغاية على حالة التفكير الخيالية التي تشكل الأساس الركين لشعار «لنجعل أميركا أمة عظيمة مرة أخرى».
ولا يمكننا اعتبار ردود الفعل هذه من المجريات العشوائية بحال. فلقد فرض السيد برييان كيمب، حاكم ولاية جورجيا، حظراً بالغ القسوة ضد القوانين المحلية التي تلزم الجميع بارتداء الكمامات الواقية في الأماكن العامة، وذلك على الرغم من ارتفاع حالات الإصابة بفيروس «كورونا» المستجد بين سكان الولاية. وظهرت صور للسيناتور تيد كروز – الجمهوري عن ولاية تكساس – وهو لا يرتدي الكمامة الواقية أثناء رحلة طيران قام بها مؤخراً. وعندما قرر الرئيس دونالد ترمب ارتداء الكمامة الواقية في خاتمة المطاف، تلقى نوعاً من الإطراء والإشادة الذي عادة ما يتعلق باحترام بعض قواعد السلوكيات الاجتماعية في الأماكن العامة.
أسفر تراكم المعلومات بشأن فيروس «كورونا» المستجد عن ارتباك، وتشوش، ثم توقف تام. وعلى النقيض من ذلك، ظلت شريحة الجماهير الممانعة والمعارضة تماماً لارتداء الكمامات الواقية على موقفها المتخذ ثباتاً ورسوخاً حتى الآن. ففي مقاطعة أورانج بولاية كاليفورنيا، صوت المجلس التعليمي في المقاطعة – الذي يهيمن عليه الجمهوريون – بالسماح للمدارس بالعودة إلى العمل الطبيعي، على الرغم من إعلان مدينتي لوس أنجليس وسان دييغو المجاورتين أن الموجة الجديدة من فيروس «كورونا» المستجد جعلت من عودة افتتاح المدارس قراراً لا يتسم بالحكمة.
ومن الواضح أن الممانعة الشديدة للالتزام بارتداء الكمامات الواقية في ظل جائحة الوباء الفتاك الراهنة، لا علاقة حقيقية لها بمدى فعالية أو لياقة الملابس التي نرتديها. فلقد تحولت الكمامات الواقية إلى بؤرة اهتمام كبيرة لشعار «لنجعل أميركا أمة عظيمة مرة أخرى».
وكما قال الصحافي الأميركي ديفيد فروم متهكماً: «الكمامة الواقية تحجب الاتهامات من الأذن إلى الأذن، إنها كمثل الجدار العازل للوجوه عن مواجهة الحقائق، ذلك الجدار الذي لن تسدد حكومة المكسيك ثمنه أيضاً».
لقد أسفرت وفاة أكثر من 135 ألفاً من المواطنين الأميركيين – ولا تزال الوفيات مستمرة – عن حالة حتمية من تغير السلوكيات والآراء والاتجاهات، بما في ذلك لدى المعسكر الجمهوري نفسه؛ إذ صرح الدكتور روبرت ريدفيلد، مدير مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، قائلاً «إذا التزم كل منا بارتداء الكمامات الواقية خلال أربعة إلى ستة أسابيع مقبلة، فإنني أعتقد أنه يمكننا هزيمة هذا الوباء الفتاك هذه المرة». وجاءت تغريدة على صفحة «تويتر» الخاصة بالسيد تيت ريفز، الحاكم الجمهوري لولاية ميسيسيبي، قال فيها: «في الآونة الراهنة، وعلى الرغم من الرسائل المختلطة التي أشاعت مناخاً من الارتباك في بداية الأزمة، يبدو أن الكمامات الواقية هي الرهان الرابح حتى الآن، وأنها أفضل بكثير جداً من حالة الإغلاق العامة المنتشرة في كل مكان حولنا. من فضلكم داوموا على ارتدائها!».
برغم كل ما تقدم، لا تزال الفجوة الحزبية متسعة للغاية بشأن وجوب ارتداء الكمامات الواقية من عدمه. ووفقاً لاستطلاع «غالوب» الأخير للآراء الحزبية، هناك نسبة 27 في المائة من الجمهوريين يقولون إنهم لم يستخدموا الكمامات الواقية على الإطلاق، تماماً كما أفادت نسبة 18 في المائة من المستقلين. وبلغت النسبة واحداً في المائة فقط، لم يستخدموا الكمامات الواقية من الديمقراطيين. ربما يعيش بعض من هؤلاء الجمهوريين في مناطق ريفية بعيدة عن المجتمعات الحضرية؛ حيث يكون استخدام الكمامات الواقية غير ضروري إلى حد كبير. بيد أن سكان المناطق الريفية يترددون على المتاجر في الآونة الراهنة بأكثر من أي وقت مضى.
قد تبرهن الكمامات الواقية حالياً على أنها تشكل الحد الفاصل ما بين المحافظين من المواطنين الذين يشتركون في احترام الواقع الراهن مع بقية أبناء الوطن، وبين أولئك الذين يصرون على الامتناع عن ارتدائها، ويفضلون اتباع نمط معيشي منفصم عن الواقع من حولهم، مع الانغماس الشديد في خيالات نظرية المؤامرة والتلاعبات السياسية.

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»