ميهير شارما
TT

الوقود الديموغرافي والرفاه الاقتصادي

توقعت الأمم المتحدة الحالية أنه بحلول عام 2027 من شأن الهند أن تتفوق على الصين، من حيث كونها الدولة الأكبر على العالم في عدد السكان. كما تشير تقديرات المنظمة الدولية إلى أن ارتفاع عدد السكان في كل من الهند ونيجيريا بنحو 470 مليون نسمة خلال العقود الثلاثة المقبلة - وهو ما يوازي ربع الزيادة السكانية المتوقعة حول العالم حتى عام 2050. ومن واقع دراسة جديدة أجريت في جامعة واشنطن برغم كل شيء، من شأن العديد من بلدان العالم النامي أن تجد ما يُسمى العائد الديموغرافي أقل إثماراً مما كان متوقعاً في الماضي.
ولقد استعانت دراسة جامعة واشنطن - التي نُشرت في مجلة «لانسيت» - بنموذج منظمة الأمم المتحدة في تحسين نموذجها الخاص بشأن الخصوبة، وإنما بطريقة مختلفة تزيد من حساسية مؤشرات التدهور وفق توافر وسائل منع الحمل المتنوعة، وانتشار التعليم لدى الكثير من البلدان النامية. وعلى سبيل المثال في أجزاء كثيرة من الهند، فإن المعدل الكلي للخصوبة - وهو يعني متوسط العدد المتوقع للأطفال المولودين لكل امرأة من سكان البلاد - هو بالفعل أقل بكثير من معدل الاستبدال الذي يبلغ حالياً نسبة 2.1 نقطة مئوية، ويواصل التراجع بوتيرة هي أسرع بكثير من المتوقع في السابق. وتخلص الدراسة الأميركية المذكورة - والتي تحاول أيضاً الأخذ في الحسبان دورات التعقيبات المتناوبة ما بين التعليم ومعدلات الوفيات وأنماط الهجرة - إلى أن السكان في كافة أرجاء العالم سوف يتحولون إلى الانكماش عاجلاً غير آجل، وبوتيرة أسرع من المتوقع من قبل.
وفي منطقة جنوب آسيا، على سبيل المثال، سوف يزيد تعداد سكان بلدان المنطقة بواقع 600 مليون نسمة بحلول عام 2100 بأكثر مما كان متوقعاً في السابق، وذلك بفضل ارتفاع معدلات الخصوبة الأدنى مما كان متوقعاً. وبدلاً من توالي النمو في كافة أرجاء العالم، من شأن التعداد السكاني في الهند أن يبلغ أوج ذروته بحلول عام 2050، ثم يعاود الانخفاض مرة أخرى إلى نسبة 70 في المائة من الرقم المتوقع بحلول نهاية القرن الراهن. وعند هذه المرحلة، من المتوقع للتعداد السكاني في الصين أن يتراجع إلى نصف الحجم الحالي. من ناحية أخرى، سوف تواصل بلدان جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى النمو الديموغرافي، وذلك مع دخول نيجيريا إلى القرن الثاني والعشرين باعتبارها ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، ولسوف تحتل نيجيريا هذا المركز بعد الهند وقبل الصين وباكستان وإنما بنسبة ليست بالكبيرة.
ولا تعتبر هذه النتائج والبيانات من قبيل الأنباء السارة بالنسبة إلى واضعي السياسات العامة، في كل من الهند والعديد من بلدان العالم النامي الأخرى. وكما يشير الباحثون من مؤلفي الدراسة في جامعة واشنطن، فإن العدد الآخذ في التناقص لسكان العالم بأسره، يحمل قدراً معتبراً من الآثار الإيجابية على البيئة بصفة عامة، وعلى التغيرات المناخية العالمية، فضلاً عن إنتاج الغذاء. غير أن الأمر يعني في ذات الوقت أن الوقت بات ينفد بوتيرة سريعة للغاية - وربما قد نفد بالفعل لدى العديد من بلدان العالم النامي فيما يتعلق بالجهود التنموية الحثيثة.
ويمكن اعتبار الصين محظوظة للغاية من واقع التركيبة الديموغرافية الوطنية، فلقد بلغت أوج ذروتها في الوقت المناسب. فإنَّ السكان في الصين من سن العمل، سواء من حيث العدد الإجمالي أو من حيث النسبة من العدد الإجمالي للسكان، قد بلغوا الذروة المتوقعة في الآونة التي كانت التجارة العالمية منفتحة للغاية، الأمر الذي يسرُّ بالفعل من إمكانات النمو الاقتصادي المستند إلى التصنيع التحويلي وبأكثر مما كانت عليه الأوضاع منذ قرون ماضية.
أما بالنسبة إلى البلدان التالية - مثل الهند وباكستان على وجه الخصوص - فسوف تعاني من مواجهة عالم أكثر تقييداً وانغلاقاً من الآن. والأسوأ من ذلك، أن حكومات تلك البلدان تدرك تماماً في الآونة الراهنة أن الأفراد في القوى العاملة حالياً، أو الأطفال في المدارس، هم الذين سوف يحملون على عاتقهم أعباء نقل البلاد إلى النمو والازدهار الاقتصادي مرة أخرى. وبالنسبة إلى البلدان التي سوف يشهد تعدادها السكاني انخفاضاً ديموغرافياً مع حلول أربعينات القرن الحادي والعشرين الحالي، فإنه يتعيَّن على الجيل الراهن ثم الجيل التالي من العمال - على غرار نظرائهم في الصين في العقدين الماضيين - أن ينتقلوا ببلادهم من واقع الاقتصاد الزراعي إلى الاقتصاد الصناعي وما بعد ذلك.
وفي الآونة الراهنة، تروج وسائل الإعلام الهندية إلى حقيقة مفادها أن عدد السكان من سن العمل يزداد تضخماً بواقع مليون فرد على أساس شهري مطرد، الأمر الذي يدفع ويحفز النمو الاقتصادي في البلاد. ولكن، إذا ما نفد الوقود الديموغرافي الراهن في الهند بوتيرة أسرع مما كان متوقعاً، فمن شأن الإنتاجية الفردية أن تتحول إلى العائل الأول للنمو الاقتصادي وليست الأرقام الهائلة لأعداد العمالة المتكررة إعلامياً. وهذا يعني أن التعليم، والرعاية الصحية، والبنية التحتية «الناعمة» لن تبدو من ممتلكات البلدان الثرية كما كانت. وما لم تدخل في سياقها المنضبط خلال السنوات العشر التاليات، وربما في غضون السنوات القليلة القادمة على أقرب تقدير ممكن، فليس من شأن البلدان ذات الثراء الديموغرافي الهائل - من شاكلة الهند وإندونيسيا والبرازيل - أن تبلغ عتبة الثراء على الإطلاق.
وبين أيدينا جملة من المخاطر المهمة الأخرى، ولقد مرت مقالة مجلة «لانسيت» على ذكرها مرور الكرام. ومن بينها انتشار التعليم بين النساء، وارتفاع معدلات الوعي الإنجابي لديهن، مما يسفر عن الانخفاضات المسجلة في معدلات الخصوبة. وما لم تتمكن المرأة من حيازة النفوذ السياسي المطلوب فربما ينتهي الأمر إلى توجيه اللوم إليهن، بشأن فقدان التمكين الوطني الناشئ عن شيخوخة السكان في البلاد. ومن شأن هذه الحقوق العسير اكتسابها للغاية أن تتزايد صعوبات الحصول عليها مع مرور الوقت، لا سيما في المواطن والمجتمعات التي تهيمن عليها السلطة الأبوية الذكورية بصورة خاصة، على غرار الكثير من بلدان جنوب وغرب آسيا.
وحتى أكثر البلدان ثراء يتوجب عليها توخي المزيد من الحذر. بحلول عام 2050 على النحو المتوقع، سوف تتحول الصين إلى أكبر اقتصاد على مستوى العالم. بيد أن مؤلفي الدراسة المشار إليها يتوقعون أنه مع توالي انخفاض عدد السكان في الصين، فمن شأن الهجرات مواصلة تعزيز القوى العاملة في الولايات المتحدة من الناحية النظرية على أقل تقدير. ويمكن للولايات المتحدة أن تسترجع مكانتها كأكبر اقتصاد على مستوى العالم مرة أخرى بحلول عام 2098 - هذا إن كانت البلاد لا تزال ترقى إلى مستوى المثل والقيم العليا، مع مواصلة الترحيب بالمهاجرين من مختلف أرجاء العالم كما كانت تفعل من قبل. وما من طريقة هي أفضل من ذلك في ضمان أن تصبح الولايات المتحدة أمة عظيمة مرة أخرى.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»