مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

رجب الثاني... الفاتح للعجائب

رجب طيب إردوغان هو سلطان العجب، على وزن سلطان الطرب، لقب الفنان الشهير جورج وسوف.
مفرقعات الرجل السياسية والشعبوية لا تنقضي، وآخرها قراره إلغاء هوية «آيا صوفيا» التي كانت مسجداً، هو في الأساس أشهر كنيسة شرقية للعالم المسيحي الشرقي، من أيام الإمبراطورية البيزنطية، الجناح الشرقي للإمبراطورية الرومانية الغربية في فجر المسيحية السياسية.
لست في وارد الجدل الديني حول الأمر، بل في اصطياد النزعات أو قل النزغات السياسية التعبوية من وراء هذه القفرة الإردوغانية العالمية الخطيرة.
حتى نقترب أكثر من طبيعة «المخ» الإردوغاني ومن يتبعه، دققوا في تاريخ الافتتاح المقرر لآيا صوفيا، وإلغاء قرار الرئيس «الجمهوري» والد الأتراك، مصطفى كمال أتاتورك، بجعلها متحفاً جامعاً بين عالمي المسيحية والإسلام، خصوصاً أن إسطنبول حافلة بمئات المآذن الجميلة، ويقدر عدد مساجدها بنحو 3200 مسجد.
التاريخ الذي اختاره إردوغان لـ«الفتح» الجديد هو يوم 24 يوليو (تموز) الحالي، وهو التاريخ الذي يوافق ذكرى توقيع اتفاقية لوزان 24 يوليو عام 1923 التي دشنت الجمهورية التركية وألغت الجغرافيا العثمانية. إردوغان هاجم هذه الاتفاقية عام 2016 ويعتقد أنه قائد الثورة العثمانية الجديدة، لاستعادة المجد السليب!
لك أن تتخيّل كيف سيدلف «الفاتح» إردوغان هذا اليوم إلى آيا صوفيا، وهو يتلبس شخصية محمد الثاني أو الفاتح الذي استولى على القسطنطينية أو إسلامبول (إسطنبول كما صارت لاحقاً)، عام 1453م... الصورة مرسومة بعناية جداً، لاستثارة المشاعر، وهو لاعب شعبوي بامتياز.
الرجل قال صراحة، في حفلة استعادة آيا صوفيا: «آيا صوفيا عاد مسجداً على النحو الذي أراده له فاتح إسطنبول». القرار ضرب الشعور المسيحي العالمي في الصميم، خصوصاً أبناء الطوائف الأرثوذكسية، والشرقية، وتعتبر روسيا اليوم، هي الحضن السياسي لهذه الطوائف، واليونان هي الحضن الروحي.
البطريرك المسكوني بارثولوميو، وهو الزعيم الروحي لنحو 300 مليون مسيحي أرثوذكسي في العالم، اعتبر أيّ تغيير في وضع آيا صوفيا سيتسبب في شرخ بين الشرق والغرب. اليونان رأت أن تركيا تخاطر بالتسبب في «فجوة وجدانية ضخمة» مع الدول المسيحية بتحويل مبنى كان محورياً للإمبراطورية البيزنطية الناطقة باللغة اليونانية وللكنيسة الأرثوذكسية.
دول أخرى مثل أميركا أدانت القرار، والاتحاد الأوروبي أيضاً، ومنظمة «اليونيسكو» الأممية قالت إن القرار التركي بخصوص آيا صوفيا «يقوّض القيمة العالمية» لهذا الصرح التذكاري العالمي.
مستشار مفتي مصر، إبراهيم نجم، في حديث لوكالة «تاس» الروسية قال: هذه محاولة من قبل الرئيس التركي لعرض نفسه بطلاً يزعم أنه يحمي المقدسات الإسلامية ويحيي عظمتها. ونلاحظ كل الإعلام الروسي، لمن يتابع، مستنفراً بسبب هذا القرار. الخطوة، هي استعراض شعبي من رجب طيب إردوغان، يغازل به قواعده الشعبية، وجماعاته المتدروشة له في العالم الإسلامي، لكنها خطوة خطيرة، والسبب أنها تتلاعب بورقة الشعور الديني الجمعي، المسيحي والإسلامي معاً، ونحن نعلم أن اللعب فوق خطوط الضغط العالي هذه... عادة، تحرق من يتقافز عليها.