سوسن الشاعر
إعلامية بحرينية تكتب في بعض الصحف البحرينية منها «الوطن» و«بوابة العين الإخبارية». عضو في مجلس أمناء «جائزة الصحافة العربية». كانت مقدمة لبعض البرامج التليفزيونية. خريجة جامعة بيروت العربية.
TT

أي مثقف عربي هذا؟

حاول العديد من المفكرين العرب الكبار سبر غور «أزمة المثقف العربي»، كالدكتور محمد جابر الأنصاري، وفهم إشكاليته مع السياسة، فهذا (المثقف) يعاني من شيزوفرينيا تضج ملامحها في كم المفارقات والتناقضات والتضارب في شخصيته ما بين شعارات حزبيته، إن كان قومياً أو يسارياً، أو حتى إسلامياً، وممارساته في حياته الخاصة وقناعاته في الشأن العام.
فكيف لوحدوي قومي عربي يساري إسلامي - سمه ما شئت - ألا يرى احتلال إيران لأربع عواصم عربية، وكيف لا يرى أن - شئنا أم أبينا - الإدارة الأميركية الحالية هي الوحيدة التي أجبرت إيران على تقليص دعمها لميليشياتها المحتلة لتلك العواصم العربية، وباعتراف وبإقرار من إيران؟
لهذا فإن التناقض غير مفهوم بين (مثقف) عربي قومي يساري إسلامي... إلخ يتمنى سقوط ترمب، فقط لأنه لا يحبه ولا تعجبه تصرفاته، ولأنه «ديكتاتور وعنصري وأهوج ومغرور....»، وأضف لهذه القائمة مثلها وأكثر من أسباب تتعلق بشخصية الرئيس الأميركي، ويعرف أن نظاماً مثل النظام الإيراني يرهن بقاءه واستمراره الآن بخسارة هذا الرجل؟
كيف يتمنى سقوط ترمب، وهو يعرف أن العقوبات الاقتصادية التي من الممكن أن تخفف وترفع في حال خسر ترمب، ممكن أن تطيل زمن ذلك الاحتلال، ومع ذلك يصفق لكل خسارة يخسرها ترمب، وكأنه فيل من أفيال الحزب الديمقراطي، ويمنّي نفسه بالفوز بمقعد في مجلس الشيوخ الأميركي!
ثم تجده يكتب عن وحدة العرب، وقوميته تضج حرارة، ويحث الزعماء والأنظمة العربية على العمل المشترك والتعاون والتصالح، فلا تعرف أين موقعه بالضبط.
هل هو مع إيران التي تنتظر بفارغ الصبر شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، علّ ترمب يسقط، فيخفف الرئيس المقبل العقوبات الاقتصادية عليها، وبذلك تستطيع أن تعيد ضخ الأموال لميليشياتها في سوريا والعراق ولبنان واليمن؟
هل هو مع أذرع إيران من خونة العرب الذين يعانون في هذه المرحلة بشكل كبير، ويسحبون معهم دولهم إلى الحضيض باقتصاد منهار نتيجة انخفاض هذا الدعم، بسبب ما تمر به إيران من مصاعب نجمت عن العقوبات الاقتصادية، وبسبب الآثار السلبية لتبعات جائحة «كورونا» على الاقتصاد؟
هل يدرك هذا (المثقف) أن الدعم الذي كانت تقدمه إيران للعمليات العسكرية في سوريا قد تقلص إلى النصف عام 2019، نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة، حيث أثبتت المغامرة السورية أنها الأكثر تكلفة بالنسبة للاقتصاد الإيراني المتداعي. ولا تبدو حكومة طهران قادرة على توفير المزيد من الدعم للنظام، بل تنتظر وقوع معجزة انتخابية بالولايات المتحدة في شهر نوفمبر المقبل تطيح بترمب، وتأتي بإدارة ديمقراطية يمكن أن تخفف وطأة العقوبات التي فرضتها عليها الإدارة الحالية، وفقاً لموقع «ستراتيجي بيج» (11 يونيو/ حزيران 2020).
أما بالنسبة للعراق، فقد رأى الموقع «أن الغضب الشعبي المتصاعد في إيران يرسل رسائل للعراقيين بأن الشعب الإيراني لم يعد يثق بأداء النظام الإيراني، وقدرته على الاستمرار في دعم الصراعات الخارجية، وذلك في ظل تنامي خسائر الميليشيات العراقية المرابطة في سوريا جراء الغارات الجوية الإسرائيلية التي تمنع «الحرس الثوري» من الاستمرار في تعويض الصواريخ والمعدات المدمرة، وتدفع بتلك الميليشيات لهجر قواعدها الاستراتيجية، والتوجه نحو مناطق «أكثر أمناً» في حلب والبوكمال. وفي لبنان، حيث يوشك على الانهيار، وقد تأثر جراء سحب رجال الأعمال السوريين أموالهم بالدولار من البنوك اللبنانية، وإيداعها في البنوك السورية، بأمر من إيران، ما سبب أزمة في وفرة النقد الأجنبي بلبنان، الذي لا يزال اقتصاده يعاني من تلك الإجراءات، حيث كشفت وكالة الأنباء المركزية اللبنانية عن قيام «شبكة مقربة من النظام السوري، بعمليات سحب ضخمة بالدولار من أجل تحويلها إلى سوريا».
الدعم الإعلامي للميليشيات الإيرانية يعلن استعداده للغلق بعد بث دام 40 عاماً. وظهر العجز الإيراني عن توفير الدعم للخارج من خلال تصريح أدلى به نائب رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيراني، للشؤون الدولية، بيمان جبلي (10 يونيو 2020)، أكد فيه أن قنوات إيرانية مثل «برس تي في»، و«العالم»، و«آي فيلم» العربية والإنجليزية، ستتوقف عن البث خلال الأيام والأسابيع المقبلة، بسبب مشكلات مالية، مؤكداً أن الإذاعة الإيرانية التي كانت تبث من كابل، منذ 40 عاماً، توقفت بسبب تراكم الديون، والإفلاس، وعدم الحصول على ميزانية بالعملات الأجنبية (المرصد الاستراتيجي).
في حال تولي ترمب ولاية ثانية، فإن ذلك يعني خنق إيران لمدة أربع سنوات قادمة، واضطرارها للتخلي عن دعم الميليشيات الخارجية، ما سيحرر أربع عواصم عربية من الاحتلال الإيراني، لهذا نعجب (للمثقف) (العربي) الذي يصفق لبقاء تلك الميليشيات المحتلة في الدول العربية، هل هو فعلاً مثقف عربي؟