الأدوية المضادة للفيروسات Antiviral Drug، تشمل مجموعة واسعة من العقاقير التي تستخدم للقضاء على الفيروسات في علاج حالات الأمراض الفيروسية المعدية. وتختلف الأهداف من العلاج باستخدام المضادات الفيروسية، وتشمل: تقليل وتخفيف حدة الأعراض لدى المُصاب، وتقليل احتمالات حصول التداعيات المرضية بسبب الفيروس أو بسبب المضاعفات الناجمة عن شدة ردة فعل جهاز مناعة الجسم ضد وجود العدوى الفيروسية، وخفض احتمالات تسبب المُصاب بالعدوى للغير، وكذلك تقصير مدة معاناة المُصاب من المرض الفيروسي.
مضادات الفيروسات
والأدوية المضادة للفيروسات تختلف تماماً عن أدوية المضادات الحيوية Antibiotics الموجهة للقضاء على البكتيريا، ولذا فإن المضادات الحيوية لا تفيد في القضاء على الفيروسات. ورغم احتمال إضافة المضادات الحيوية إلى البروتوكول العلاجي في حالات الأمراض الفيروسية، ولكن ذلك ابتغاء القضاء على الالتهاب البكتيري الذي قد ينجم عن العدوى الفيروسية Bacterial Superinfection كأحد مضاعفاتها في الرئتين أو أعضاء أخرى في الجسم، وليس للقضاء على الفيروسات المتسببة بالمرض الفيروسي نفسه.
كما تختلف مجموعة الأدوية المضادة للفيروسات بشكل جذري عن مجموعة اللقاحات ضد الفيروساتAntiviral Vaccines، رغم نظر الأوساط الطبية إلى أنهما يمثلان ذراعين رئيسيين في التعامل العلاجي ضد العدوى الفيروسية والأمراض الفيروسية الناجمة عنها. ولذا تعتمد الأوساط الطبية على اللقاح بشكل أولي للنجاح في منع إصابة شريحة واسعة من الناس بالمرض الفيروسي، كما تعتمد أيضاً على الأدوية المضادة للفيروسات بشكل متقدم في نجاح القضاء على الفيروسات التي دخلت إلى جسم الشخص المُصاب وتسببت لديه بأحد أنواع الأمراض الفيروسية.
وكذلك تختلف الأدوية المضادة للفيروسات عن العقاقير المعززة لعمل مضادات الفيروسات Antiviral Boosters. ومعززات عمل مضادات الفيروسات هي عقاقير تستخدم مع بعض الأدوية المضادة للفيروسات لزيادة فاعليتها العلاجية. ومن أمثلتها عقار كوبيسيستات Cobicistat الذي لا يعمل على الفيروس بل يثبط نشاط إنزيمات الكبد التي تعمل على تحلل بعض الأدوية المضادة للفيروسات مثل أتازانافير Atazanavir.
وأيضاً تختلف الأدوية المضادة للفيروسات عن مجموعة المواد «المبيدة للفيروسات» Virucide. ومبيدات الفيروسات هي أي عامل فيزيائي أو كيميائي يعطل الفيروسات أو يدمرها، والتي هي بالأصل معدة للاستخدام على الأسطح وليس البشر. ومن أمثلتها الصابون والماء، والكحول، ومواد التبيض للكلور Bleach، وغيره.
صعوبات التطوير
وعلى عكس المضادات الحيوية (ضد أنواع البكتيريا)، لا تعمل الأدوية المضادة للفيروسات على تدمير الفيروس أو إصابته بالشلل، ولكنها تعمل عن طريق تثبيط وإعاقة ومنع التكاثر الفيروسي. وبالتالي منع الحمل (العبء) الفيروسي Viral Load الذي دخل جسم الشخص المُصاب، من التكاثر إلى نقطة يمكن أن تتسبب بالحالة المرضية، وهي الإعاقة التي تعطي فرصة وتسمح لآليات مناعة الجسم بتحييد الفيروس.
ولذا، فإن معظم الأدوية المضادة للفيروسات تعمل على إيقاف دورة التكاثر الفيروسي في مراحل مختلفة من خطواتها، من خلال استهداف نشاط وقدرات عدد من الإنزيمات الرئيسية الضرورية لإتمام إحدى هذه الخطوات في عملية التكاثر الفيروسي.
ورغم الجهود العلمية والإكلينيكية الحثيثة، تتوفر الأدوية المضادة للفيروسات لعلاج بعض أنواع الأمراض الفيروسية. وتشير بعض المصادر الطبية إلى أنه في بداية التسعينيات لم يكن ثمة سوى خمسة أدوية مضادة للفيروسات، وفي بداية الألفية الثانية ارتفع العدد إلى ما فوق 30 دواء، ويصل عددها اليوم إلى أكثر من 100 دواء مضاد للفيروسات.
وثمة أسباب متعددة لمحدودية الفرص لإنتاج أدوية مضادة للفيروسات، منها صعوبة العثور على أهداف دوائية تتداخل مع التكاثر الفيروسي دون الإضرار بالخلايا المضيفة أيضاً. أي أنه من الصعب تحديد المركبات الكيميائية التي تمنع تكاثر الفيروسات دون أن تبطئ نشاط وظائف الخلية المضيفة أو ألا تكون ضارة بها، لأن ثمة حاجة أساسية إلى دعم الخلية المُضيفة لعمليات تكاثر الفيروس.
ومن الصعوبات أيضاً في تطوير الأدوية المضادة للفيروسات هو اختلاف هيكل كل نوع من الفيروسات عن أنواع الفيروسات الأخرى، واختلاف متطلبات إتمام مراحل خطوات اقتحامها للخلايا المُضيفة وآليات تكاثرها داخلها.
كما أن الدواء قد يصبح غير فاعل في بعض الحالات بسبب المقاومة الفيروسية Antiviral Resistance الناجمة عن التغيرات الدورية في البروتينات المستضدة للفيروس Antigenic Proteins التي تثير الاستجابة المناعية في جسم المُصاب.
مواقع استهداف المضادات
وتضيف المصادر تلك أن نجاح العقار المضاد للفيروسات في القضاء على الفيروس يجب أن يكون موجهاً لمنع أو إعاقة حصول خطوة أو عدة خطوات من بين الخطوات الخمس التالية في دورة التكاثر الفيروسي Viral Replication Cycle وهي:
> الخطوة الأولى: التصاق الفيروس بالخلية المُضيفة واختراقها Viral Attachment & Penetration بدخول الفيروس أو حمضه النووي إلى داخلها. وهي خطوة مبكرة جداً ومهمة جداً في عملية نشوء المرض الفيروسي. وهناك عدة أدوية تُصنف كـ «معيقات للدخول» Entry - Blocking Drugs من بين الأدوية المضادة للفيروسات. وذلك إما في خطوة التصاق الفيروس بالخلية المُضيفة أو اختراقها.
ويعمل عقار مارافيروس Maraviroc (الذي يُصنف من فئة أدوية منع مستقبلات CCR5 الموجود على سطح بعض الخلايا البشرية) على إعاقة عملية الالتصاق الفيروس بالخلية المُضيفة. أما عقار إنفوفيرتيد Enfuvirtide (الذي يُصنف من فئة أدوية منع الالتحام Fusion Inhibitor) فيعمل على منع الفيروس من اختراق الخلية المُضيفة والدخول إليها.
> الخطوة الثانية: إزالة الغلاف البروتيني للفيروس Viral Uncoating، وهي الخطوة التي تسهل دخول الحمض النووي إلى داخل الخلية (بعد خطوة التصاق الفيروس بالخلية المُضيفة)، وبالتالي بدء عملية تكوين فيروسات جديدة فيها، والتي بدونها لا يتم إعادة استنساخ الحمض النووي للفيروس، لأن الغلاف البروتيني يحبس الحمض النووي ويمنع تكرار استنساخ الحمض النووي لتكاثر الفيروس.
وهناك فئة من الأدوية المضادة للفيروسات والمُصنفة كـ«مثبطات» لعملية إزالة الغلاف البروتيني Uncoating Inhibitor. ويعمل عقار أمنتادين Amantadine على منع حصول إزالة الغلاف البروتيني للفيروس ومنع تحرير الحمض النووي Nucleic Acid Release من غلاف الفيروس، ومنع دخول الحمض النووي إلى داخل الخلية المُضيفة.
> الخطوة الثالثة: عمليات الاستنساخ لتكوين أجزاء الفيروسات الجديدة Viral Components Synthesis (أي الغلاف البروتيني والحمض النووي) باستخدام المواد الخام في الخلية المُضيفة وفق المعلومات المختزنة في الحمض النووي للفيروس، والتي منها عملية الاستنساخ الفيروسي المتماثل Replication وغيرها من آليات الاستنساخ للحمض النووي والبروتينات الفيروسية.
ولمنع نجاح حصول عملية استنساخ وتكاثر تكوين الحمض النووي للفيروس Viral Genome Replication، هناك عدد من الأدوية المضادة للفيروسات التي تعمل في عدة مواقع لهذه العمليات المعقدة. منها عقارات لاميفيدين Lamivudine ونيفيرابين Nevirapine التي تعيق عملية النسخ العكسي للحمض النووي الفيروسيReverse Transcription. وهناك عقاقير دولوتغرافير Dolutegravir وإلفيتغرافير Elvitegravir التي تعيق الدمج والتكامل للحمض النووي الفيروسي الجديد DNA Integration عبر تعطيل عمل الأنزيم Integrase Inhibitor المساعد في حصول ذلك.
وهناك مجموعة أخرى من العقاقير التي تعيق عملية إنتاج الحمض النووي نفسه (نظائر النوكليوتيدات Nucleoside Analogue)، ومن أشهرها عقار ريبافيرين Ribavirin المستخدم في حالات التهاب الكبد الفيروسي، وعقار إيسايكلوفير Acyclovir وغانسيكلوفير Ganciclovir التي تستخدم في حالات الهربس والتهاب القرنية الفيروسي والفيروس المُضخم للخلايا CMV وفي حالات فيروسية أخرى. كما أن منها عقار ريمديسيفير Remdesivir المشهور في الآونة الأخيرة، والذي يُعيق إنتاج الحمض النووي الرايبوزومي RNA.
منع تكوين الفيروس
> الخطوة الرابعة: العمليات المعقدة، والمختلفة في الأنواع المتعددة من الفيروسات، لتجميع مكونات الفيروسات الجديد Viral Components Assembly (أي الغلاف البروتيني الجديد والحمض النووي الجديد) التي تم استنساخها. وهي بعد استنساخها لا تكون جاهزة بهيئة مكتملة في إنتاج فيروس جديد، بل تحتاج إلى عمليات تقطيع وإعادة تركيب لتشكيل الفيروس في الشكل النهائي. وتكون معظم الفيروسات إنزيم البروتياز، الذي هو عامل أساسي في عملية تجميع الأحماض الأمينية لتشكيل جزيئات الحمض النووي الفيروسي النهائي.
وهناك فئة من الأدوية المضادة للفيروسات التي تعمل على منع نشاط إنزيم البروتياز Protease Inhibitors، مما يؤدي إلى خلل في بناء سلسلة الأحماض الأمينية الفيروسية وعملية إنتاج البروتينات الفيروسية (عبر إعاقة تقطيع سلاسل البروتين الفيروسي إلى أجزاء منفصلة بحيث يمكن تجميعها في تكوينها النهائي)، ومن أشهر أمثلتها عقار أتازانافير Atazanavir، المُصنف عالمياً ضمن قائمة الأدوية الأساسية. وللتوضيح، يرتبط عقار أتازانافير بالموقع النشط لأنزيم البروتيز للفيروس، ويمنعه من تقطيع البروتينات الفيروسية بالشكل المطلوب في إنتاج فيروسات جديدة مكتملة النمو والنضج. وعند تعطيل عمل إنزيم البروتياز للفيروس، لا تتم صناعة وإنتاج أي فيروسات ناضجة.
> الخطوة الخامسة: الخطوة الأخيرة هي إطلاق وتحرير الفيروسات الجديدة Virion Release من داخل «المصنع»، أي الخلية المُضيفة، وذلك بمساعدة أنزيم Neuroamidase الذي تفرزه الخلية المُضيفة نفسها والفيروس.
وفئة أدوية «مثبطات نورامينيداز» Neuroamidase Inhibitors من بين المضادات الفيروسية، تعمل على إحباط وتثبيط هذه العملية لإطلاق الفيروسات، وأيضاً إضعاف قدرة الفيروسات على الحركة في السائل المخاطي بمجاري الجهاز التنفسي. ومن أشهر أمثلتها عقار أوسيلتاميفير Oseltamivir المشهور باسم تاميفلو Tamiflu وعقار زانامفير Zanamvir في حالات الأنفلونزا.