د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

التنوع العرقي في الشركات

لا تزال الولايات المتحدة تعاني من تبعات قتل الشرطة الأميركية المواطن «جورج فلويد» ذا الأصول الأفريقية. فخلال الأسبوعين الماضيين شهدت الولايات المتحدة مظاهرات على نطاق واسع احتجاجا على قسوة الشرطة في التعامل مع الأقليات. وسارعت شركات أميركية كثيرة إلى إبداء تعاطفها مع هذه القضية، وتأييدها لأصحاب البشرة السمراء، في خطوات قد تبدو للبعض استغلالا تسويقيا لهذه الموجة، وتبدو للبعض الآخر تعاطفا حقيقيا مع الأقليات. وأيدت الشركات هذه القضية بعدة طرق، فمنها من أطلق حملات إعلامية وتسويقية مؤيدة لها، وموّلت أخرى برامج تسعى إلى زيادة التنوّع العرقي في الشركات الأميركية وإعطاء فرص أكبر للأقليات، بينما استغلت كبريات الشركات مكانتها وقدراتها في الضغط على الحكومة لإجراء إصلاحات تزيد العدالة الاجتماعية.
وملأت الحملات التسويقية مواقع التواصل الاجتماعي، وتسابقت مئات الشركات الأميركية إلى تبيين موقفها المتعاطف مع أصحاب البشرة السوداء. ولعل أقوى الحملات كان من شركة «نايك» الرياضية صاحبة الشعار الشهير «افعلها». وأطلقت الشركة حملة شعارها «لا تفعلها هذه المرة» مسوقة إلى عدم التظاهر وأن الولايات المتحدة لا تعاني من هذه الأزمة. هذه الحملة وضعت الكثير من الشركات في موقف حرج، خاصة تلك التي لم تستعد لإطلاق حملات مشابهة. الذي يتأمل في موقف شركة «أديداس» الألمانية المنافسة التقليدية لـ«نايك» يستطيع فهم إلى أي مستوى قد تصل هذه الشركات في ركوب الموجة، فقد أعادت «أديداس» تغريدة الشركة الأميركية، في موقف وصفه الكثير باليائس!
وعلى الصعيد التمويلي فقد رصدت الكثير من الشركات الأميركية مبالغ تقدر بحوالي 1.7 مليار دولار تهدف إلى خلق المزيد من الفرص للأقليات وأصحاب البشرة السمراء. وتصدر «بنك أميركا» هذه الشركات بمليار دولار تصرف على مدى أربع سنوات لمكافحة التمييز العرقي في الوظائف. وجاءت شركة «باي بال» ثانية برصدها 530 مليون دولار لدعم الأعمال المملوكة للأقليات العرقية. كما قدمت «نايك» المعروفة بدعمها المستمر لهذه القضايا 40 مليون دولار للأربع سنوات المقبلة، تتبعها 60 مليون دولار خلال الست سنوات التالية لها.
وأعلنت شركتا مايكروسوفت وأمازون رفضهما لبيع البرمجيات المتعلقة بالتعرف على الأوجه للشرطة الأميركية، وأوضحت مايكروسوفت أنها لن تصرح للشرطة باستعمال برمجياتها حتى تطوير التشريعات الفيدرالية المتعلقة بسلوك الشرطة. بينما أصدرت «آي بي إم» بيانا وضحت فيه أن التقنية لا يمكن أن تستخدم ضد العدالة الاجتماعية. وقد واجهت برمجيات مايكروسوفت وأمازون انتقادات بالسابق لعدم دقة برمجياتها بالتعرف على أصحاب البشرة السوداء، وهو ما سبب اعتقالات كثيرة وصفت بالظالمة، وهو أمر تلام عليه الشركات والشرطة في آن واحد!
وهذه هي المرة الأولى التي تتحد فيها الشركات في تأييد القضايا العرقية، على الرغم من وجود أحداث كثيرة مرتبطة بقتل الشرطة لأصحاب البشرة السمراء، كان آخرها حادثة «فيرغسون» الشهيرة في عام 2014، والتي لم يحرك كثير من الشركات الأميركية ساكنا لأجلها. إلا أن الوضع يبدو في هذه المرة مختلفا، ربما بسبب أن المظاهرات في هذه المرة كانت ذات صدى أكبر من سابقتها، أو لأنها استغلت سياسيا بشكل أوسع لا سيما مع قرب الانتخابات الأميركية. وهذا يطرح التساؤل، هل تحاول الشركات استغلال هذه الموجة لزيادة أسهمها لدى الجمهور؟ أم هي فعلا متعاطفة مع هذه القضية الاجتماعية؟
والواقع يشهد للكثير من هذه الشركات بعدم اهتمامها بالقضايا الاجتماعية بقدر اهتمامها بأرباحها، فأمازون على سبيل المثال، وقبل أشهر قليلة قامت بفصل موظفيها المحتجين على ظروف العمل غير الصحية في أزمة «كورونا». والكثير من الشركات المؤيدة لهذه القضية تفتقد إلى التنوع العرقي الذي تسوق لأجله. فضمن شركات «فورتشن» الخمسمائة، 4 شركات فقط يديرها مدراء تنفيذيون ذوو أصول أفريقية، أي أقل من واحد في المائة. بل إن هذه الشركات ومنذ سنة 1955، لم يتول إدارتها من أصحاب البشرة السمراء إلا 15 مديرا تنفيذيا فقط!
إن البرامج التي أقرتها الكثير من الشركات الأميركية هذه الأيام ليست الأولى من نوعها، بل سبقتها عشرات البرامج التي أيدتها أبحاث ودراسات أوضحت أن الشركات ذات التنوع العرقي أكثر قابلية على الابتكار بنسبة 38 في المائة، وبسبب ذلك فهي أقدر بنسبة 70 في المائة على خلق أسواق جديدة. إلا أن الاستمرار بنفس الطرق السابقة من حملات إعلامية وتمويلية لن يأتي بنتائج مختلفة عن الماضي، وما تفعله الشركات اليوم أشبه ما يكون بدفع الضرر عن نفسها ونفي تهمة العنصرية عنها. ولو كانت هذه الشركات جديّة في هذه القضية، لسعت إلى زيادة التنوع في أروقتها، بدلا من إطلاق البرامج الخارجية المكررة وغير مضمونة النتائج.