د. عبد الخالق عبد الله
أستاذ العلوم السياسية - الإمارات العربية المتحدة
TT

الإمارات: دولة قدوة في المنطقة العربية

تحتفل الإمارات هذا الأسبوع بيومها الوطني الـ43 وهي أكثر تماسكا واستقرارا من الداخل، وأكثر حضورا وتأثيرا في الخارج من أي وقت آخر منذ بروزها دولة اتحادية في 2 ديسمبر (كانون الأول) 1971. أضواء احتفالات العيد الوطني تخطف الأبصار من برج خليفة - أعلى برج في العالم، وتعبر عن فرح وطني بكون الإمارات قلعة حصينة من قلاع الاستقرار والازدهار والاعتدال في منطقة عربية غير مستقرة سياسيا، وشديدة الخطورة أمنيا بسبب انطلاق قوى الغلو والتشدد والهدم من عقالها بشكل غير مسبوق خلال 2014.
دولة الإمارات - التي شبهها البعض بالمدينة اليونانية إسبرطة التي برزت 900 سنة قبل الميلاد، وعرفت ببأسها وقوتها العسكرية وتمكنت من هزيمة الإمبراطورية الفارسية - تعيش حاليا عصرها الذهبي. فهذه لحظة الإمارات في التاريخ العربي المعاصر، أكثر مما هي لحظة أي دولة عربية أخرى. كل دولة تعيش لحظتها الاستثنائية، مصر والعراق ولبنان والكويت، كلها دول عربية عاشت لحظتها القصيرة أو الممتدة في التاريخ. لكن الإمارات، وبالنظر إلى جميع المؤشرات الحيوية، تعيش هذه اللحظة الفريدة أكثر من بقية الدول العربية، حيث تستأثر باهتمام عربي وعالمي غير عادي، وتبدو واثقة بنفسها، ومشبّعة برغبة القيام بأدوار غير تقليدية ومسكونة أكثر من أي وقت آخر بحس تاريخي ومستقبلي تخطط له بوضوح، وبجرأة جعلتها أن تكون دولة قدوة في محيطها الجغرافي.
لا يوجد وصف أكثر دقة من وصف الإمارات بالدولة القدوة، ولا توجد سمة واحدة تصف بإيجاز شديد رحلة الإمارات الطويلة والشاقة خلال الأربعة العقود الماضية من تحولها، من دون منازع ومن دون منافس، إلى دولة قدوة في المنطقة العربية. فبعد مسيرة 43 سنة، أصبحت دولة الإمارات قدوة للدول القريبة والبعيدة. نجم الإمارات نجم صاعد في الفضاء العربي، والإمارات تلفت الانتباه كقدوة في الكثير من المجالات، وتستقطب الاهتمام من القريب والبعيد في الازدهار والاستقرار وجرأة بلوغ قمم جديدة بما لا يخطر على البال. سمة الدولة القدوة تنطبق على الإمارات أكثر مما تنطبق على أي دولة عربية أخرى في هذه اللحظة من التاريخ العربي المعاصر.
لقد أكدت الإمارات موقعها كمركز الثقل التجاري، والسياحي، والمالي العربي، فهي ثاني أكبر اقتصاد في المنطقة العربية بناتج قومي يصل إلى 300 مليار دولار. كما تستقطب الإمارات وحدها نحو 50 في المائة من إجمالي التجارة الخارجية العربية، وتستقبل 16 مليون سائح سنوي، أي أكثر من أي دولة أخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
كما تود الإمارات أن تكون مركز الثقل الإعلامي العربي من خلال مدينة الإعلام بدبي التي أصبحت مقرا لأكبر عدد من القنوات الفضائية ووكالات الأنباء العالمية. وأخيرا، عززت أبوظبي موقعها كعاصمة الاعتدال العربي، ومركز الثقل السياسي والدبلوماسي في المنطقة، بالتنسيق التام مع الرياض والقاهرة. وتود الإمارات أن تتوج كل ذلك بأن تكون مركز الثقل الإبداعي والتقني والتعليمي والثقافي العربي. لذلك، من حق الإمارات وهي تحتفل بيومها الوطني الـ43 أن توصَف بالدولة القدوة في منطقة عربية بائسة، ومتوترة على مدار السنة، ومليئة بدول هشة وفاشلة ونصف فاشلة ومترهلة ومهزومة من الداخل والخارج. لا توجد في المنطقة العربية دولة في وضع تنموي وأمني وسياسي مريح كدولة الإمارات، بما في ذلك أقرب الدول لها.
إن من سمات الدولة القدوة أن تأثيرها أكبر من تأثير بقية الدول مجتمعة، وحضورها في محيطها أكبر من حضور محيطها الجغرافي في دولة القدوة. وما يميز الدولة القدوة أنها سباقة في برامجها ومشاريعها، ومدهشة في مبادراتها، وملهمة في طموحها لما حولها. إن دور الدولة القدوة تحريك الركود السائد في جوارها، والتأسيس لبدايات ومسارات جديدة لها ولغيرها، كما النهر المتدفق الذي يؤسس فجأة لمجرى جديد ويصل للمصب قبل غيرها. جميع هذه السمات تنطبق على إمارات 2014. يبدو أن قدر دولة الإمارات أن تؤدي هذا الدور التاريخي وتعيش لحظتها تحت الأضواء، بكل ما للأضواء الباهرة من حسنات وسيئات.
إن سجل الإمارات، كدولة قدوة، مقنع. فهي قدوة في بنيتها التحتية، وفي مطاراتها وموانئها، وشبكة اتصالاتها ومواصلاتها المتقدمة. والإمارات قدوة في تشريعاتها المرنة والحديثة، واستحقت أن تحتل المرتبة الـ12 عالميا في مؤشر التنافسية عام 2014. ومدن الإمارات، كدبي وأبوظبي، قدوة لبقية المدن وتقع ضمن قائمة أكثر 50 مدينة معولمة في العالم. وشركات الإمارات، كـ«طيران الإمارات» وشركة «إعمار» و«اتصالات»، و«موانئ دبي»، تبدو عملاقة وتأتي ضمن قائمة أكبر 2000 شركة من الشركات العابرة للقارات. كما أن الإمارات قدوة في مجالات القوة الناعمة؛ وأبرزها على الإطلاق تمكين المرأة، ونموذجها في ذلك الرائد الطيار مريم المنصوري التي سحقت كبرياء «داعش». والأهم من كل ذلك، أن شخصيات وقيادات الإمارات هم قدوة في التواضع والتواصل والطموح، وعلو الهمة والهامة، وسرعة الإنجاز.
لم تكن الإمارات دائما الدولة القدوة. فقد كانت في بداية مسيرتها تنظر إلى التجارب الناجحة من حولها، كالكويت والبحرين ولبنان ومصر والعراق وحتى السودان. كانت جميع هذه الدول متطورة ومتقدمة في التعليم والثقافة والتنمية والإدارة عند تأسيس الإمارات عام 1971. لكن بحلول 2014، أصبحت جميع هذه الدول تنظر إلى دولة الإمارات كدولة قدوة وتسعى للاقتباس من نجاحاتها ومبادراتها الجريئة التي لم تعد تتوقف.
إن أكبر مسؤولية تقع على عاتق الجيل الجديد من أبناء الإمارات وبناتها، هي الحفاظ على كون الإمارات دولة قدوة، فهذا مكسب وطني وتاريخي لا يعادله أي مكسب آخر.
الدولة القدوة ليست بالدولة الكاملة، مما يعني أن أمام الإمارات طريقا طويلا وشاقا بالمهام الكبرى. كما أن الدولة القدوة ربما كانت قدوة في بعض المجالات وليست بقدوة في مجالات أخرى. فالإمارات ليست بالضرورة قدوة في التركيبة السكانية المختلة، وهي ليست بقدوة في مجلسها الوطني المتواضع جدا، الذي لم يتطور كثيرا خلال الـ43 سنة الماضية. في كل مجال من هذه المجالات، يمكن أن تكون الإمارات أحسن حالا. كذلك، تعيش الإمارات في منطقة خطرة، وأصبحت 100 مرة أكثر خطورة بسبب بروز الغلاة في كل بقعة من بقاعها. إن أكبر تحد يواجه الإمارات وهي تحتفل بعيدها الوطني الـ43 الدفاع عن موقعها كقلعة الاعتدال العربي وحماية موقعها المتقدم كدولة قدوة في المنطقة.
عيد الإمارات الوطني هو عيد للعرب، ومسؤولية الحفاظ على قلعة الاستقرار والاعتدال والازدهار هي أيضا مسؤولية كل عربي غيور، يرى في نجاح الإمارات نجاحا لكل العرب.
* أستاذ العلوم السياسية - الإمارات العربية المتحدة