الأسبوع الماضي، فقد الاقتصاد العالمي أحد أشهر أعلامه البروفسور بجامعة هارفارد، ألبرتو أليسينا، وهو الخبير الاقتصادي الإيطالي الذي ساهم بجهوده في إحداث ثورة في مجال الاقتصاد السياسي والذي توفي بنوبة قلبية في سن الثالثة والستين.
غالباً ما يتعرض الاقتصاديون للانتقاد لتجاهلهم الجوانب السياسية في نظرياتهم. فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كان الاقتصاديون ينظرون عموماً إلى دورهم على أنه استشاري يقتصر على تقديم مشورة الخبراء للقادة التكنوقراطيين، أو لنقل «الهمس في آذان الأمراء». ولكن في العالم الواقعي، فإن القادة الذين يمتلكون الحكمة للاستماع إلى الخبراء الأكاديميين ولديهم القدرة على تنفيذ توصياتهم ليسوا سوى ندرة، وفي كثير من الأحيان لا يكون العالم السياسي سوى شبكة متداخلة من مجموعات المصالح، والحروب الثقافية، والمشاحنات الحزبية والنفعية الانتخابية.
يضع بعض الاقتصاديين أيديهم على هذه الفوضى، ويخلصون إلى أنه إذا لم يستمع القادة إلى العقل، فليكن ذلك. لكن أليسينا لم يكن أحد هؤلاء. فقد خاض الرجل في الفوضى بصورة مباشرة واستخدم النظريات والبيانات في محاولة لإثارة التفاعل المعقد بين السياسة والاقتصاد.
أحد الأسئلة الكبيرة التي وجهت للبروفسور أليسينا هو لماذا لا تتمتع الولايات المتحدة بمزايا الرعاية السخية للبلدان المتقدمة في أوروبا؟ وكانت إجابته، إلى جانب إجابات المؤلفين المشاركين إدوارد جلاسر وبروس ساكروت، ذات شقين: أولاً، جرى تصميم المؤسسات الأميركية - مجلس الشيوخ والنظام الانتخابي والنظام القانوني - في وقت مبكر سبق بكثير نظراءه في أوروبا، وبالتالي فهي أكثر ميلاً إلى حماية الملكية الخاصة قبل كل شيء. لكن علاوة على ذلك، وجد الاقتصاديون دليلاً على أن العداء العنصري كان استثناء أميركياً. فقد استخدم معارضو إعادة توزيع الثروات بصورة منتظمة في الولايات المتحدة الخطاب القائم على العرق في مقاومة السياسات اليسارية. وداخل الولايات المتحدة، يعتبر العرق هو المؤشر الوحيد لدعم الرفاهية. ومن الواضح أن العلاقات العرقية الأميركية المضطربة هي سبب رئيسي لغياب دولة الرفاهية الأميركية.
فبالاستماع إلى مضيفي البرامج الحوارية المحافظة، ومنهم راش لامبرا، الذين سخروا من برنامج الرعاية الصحية والبرامج الاجتماعية الأخرى للإدارة السابقة على أنها «تعويضات»، يصبح من الصعب الجدال بشأن الاستنتاج الذي توصل إليه البروفسور أليسينا.
اعتقد البروفسور أليسينا أيضاً أن الانقسامات العرقية يمكن أن تعيق النمو الاقتصادي للبلد. وقد وجد أليسينا، وكذلك المؤلفون المشاركون مثل رضا باكير وويليام إيسترلي، أن المدن الأميركية المفتتة عرقياً أقل فاعلية في بناء الطرق، وفي جمع القمامة وفي إنفاق الأموال على التعليم، باختصار، في كل ما يتعلق بالنمو الاقتصادي. ومع إيسترلي وجانينا ماتسزكي، اكتشف البروفسور أن دول ما بعد الاستعمار ذات الحدود التي تمر عبر الجماعات العرقية تعيش ظروفاً أسوأ من الناحية الاقتصادية مقارنة بالدول ذات الحدود الطبيعية مثل الأنهار والجبال.
بالنسبة للبعض، قد يبدو ذلك بمثابة تأكيد للأفكار اليمينية بأن التنوع أمر سيئ للبلد. لكن على الرغم من أنه قد يساعد في تفسير نجاح البلدان المتجانسة مثل السويد وكوريا الجنوبية، فإن نظرية أليسينا أكثر دقة مما قد تبدو. فكما أوضح في بحث قدمه عام 2003، فإن المفتاح ليس درجة تشابه سكان بلد ما على الورق، لكن إلى أي مدى يرون أنفسهم شعباً واحداً. فالتجزؤ يحدث في العقل، وليس في الجينات. وهذا يعني أن طريق المساواة والازدهار للولايات المتحدة والبلدان ذات التنوع العرقي الأخرى، هو التخلص من التشدد والانقسامات العرقية لتعزيز الهوية المشتركة.
وبطبيعة الحال، فقد غطت أبحاث البروفسور أليسينا أكثر بكثير من مسألة التوترات العرقية. كذلك بحث في العلاقة بين عدم المساواة والنمو، ويعتقد بعض خبراء الاقتصاد أن مفتاح النمو هو تخفيض الضرائب وتحرير النظام المالي.
ويزعم الخبراء أن التفاوت المتزايد الناتج عن هذه السياسات هو ببساطة ثمن زيادة الكفاءة. لكن أليسينا كانت لديه نظرية معاكسة، فكانت اللامساواة تؤدي إلى السخط الاجتماعي، وبالتالي عدم الاستقرار السياسي، مما يحد من النمو الاقتصادي.
وبالنظر إلى التاريخ الحديث، فقد وجد أليسينا وكذلك المؤلف المشارك روبرتو بيروتي أن المزيد من الدول التي تنتشر فيها عدم المساواة الاجتماعية، من المرجح أن تقع في فوضى سياسية وتعاني من التدهور الاقتصادي. وهكذا يوضح البورفسور أليسينا مراراً وتكراراً أن السياسة يمكن أن تقلب أي حدس أو توقع بخصوص الأسواق رأساً على عقب.
تجدر الإشارة إلى أن حالة واحدة تسبب فيها تركيز البروفسور أليسينيا على السياسة في إصابته بحالة من الشرود. فبعد الأزمة المالية عام 2008، جادل أليسينا وزملاؤه المشاركون بأنه من الممكن أن يزداد تقليص الإنفاق حالات الركود. كانت الفكرة الرئيسية هي أن تخفيضات الإنفاق تقنع الجمهور بأن الحكومة ستكون مسؤولة مالياً في المستقبل، وأنها ستجعل المستهلكين أكثر ثقة بالإنفاق في الوقت الحاضر. لكن بحثًا أجراه خبراء اقتصاديون في صندوق النقد الدولي في وقت لاحق وجد أن الحكمة التقليدية صحيحة، وهي أن التقشف في الركود يضر بالنمو. ففي حالة التحفيز، تميل القوى الاقتصادية المهيمنة إلى أن تكون أقوى من القوى السياسية.
لكن على الرغم من أن السياسة لا تهيمن دائماً على قوى السوق، فإنها غالباً ما تكون كافية، بحيث لا يستطيع عالَم الاقتصاد تجاهل الرؤى التي كشف عنها أليسينا. إن العالم لا يحكمه تكنوقراطيون حكيمون ولا أنانيون، بل مشاعر الفوضى التي تجتاح الجماهير.
النصيحة الجيدة لا تكفي أبداً، إذ يجب أن تكون هناك طريقة لجعل الاقتصاد يؤتي ثماره في أعين الناس الذين صمم من أجلهم.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»
8:2 دقيقه
TT
هل العنصرية سبب ضعف شبكة الأمان الأميركية؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة