د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

الاستثمار السعودي لفرص الجائحة

منذ أن أعلنت منظمة الصحة العالمية عن كون كورونا وباءً عالمياً في شهر مارس (آذار)، بدأت الخسائر الاقتصادية تتجلى في جميع دول العالم من دون استثناء. ومن يتأمل الرسوم البيانية لأسعار أسهم الشركات، يرى نقطة تحول رئيسية، وهي الحادي عشر من مارس (آذار) 2020، وهو تاريخ الإعلان عن الوباء العالمي. وتفاوتت خسائر الشركات بحسب الدول وتضررها من الوباء، كما اختلفت خسائر الشركات بحسب القطاعات، فكان قطاع الطيران الأكثر تضرراً بلا منازع، وجاءت بعده القطاعات السياحية والترفيهية، كالفنادق والمقاهي والمطاعم، بينما استفادت قطاعات أخرى، كالقطاعات التقنية. كما انخفض الطلب -وبحدة- على النفط لعدة أسباب، منها التباعد الاجتماعي، وما تلاه من انخفاض الطلب على وقود السيارات والطائرات، علاوة على توقف السواد الأعظم من المصانع في العالم. وتبين أن هذه الجائحة هي الأسوأ من ناحية الأثر الاقتصادي منذ عقود من الزمن.
وفي خضم هذا الحطام الاقتصادي بين شركات تعاني للبقاء خارج دائرة الإفلاس، وشركات أفلست بالفعل، وأخرى فقدت كثيراً من قيمتها السوقية، وجد صندوق الاستثمارات السعودي فرصاً للاستثمار في كبريات الشركات العالمية، ممن انخفضت أسعار أسهمها لأقل مستوى منذ سنوات. واستثمر الصندوق ذو الـ320 مليار دولار في كثير من الشركات في الأشهر الثلاثة الأخيرة، بما يقارب 7.7 مليار دولار.
والمتأمل في الشركات التي استثمر فيها الصندوق، يجد أنها من القطاعات المتضررة في الفترة الأخيرة، وهو ما يعني انخفاض أسعارها في هذه الفترة عن المتوسط. ففي قطاع الطاقة، اشترى الصندوق أسهماً في شركة «بريتيش بتروليوم»، بما قيمته 827.8 مليون دولار. ويجدر بالذكر أن سعر سهم هذه الشركة انخفض خلال الجائحة لأدنى مستوى له منذ 24 عاماً. كما استثمر الصندوق أيضاً في شركات نفط أخرى، مثل شركة «توتال» الفرنسية و«رويال دتش شيل» الهولندية. وفي القطاع السياحي، اشترى صندوق الاستثمارات السعودي حصة بقيمة 513.9 مليون دولار في سلسلة فنادق «ماريوت». وقد انخفضت أسهم «ماريوت» خلال الجائحة من 150 دولاراً بداية العام إلى 60 دولاراً على الأدنى. وفي قطاع الطيران، اشترى الصندوق نسبة من شركة «بوينغ» لصناعة الطائرات، تقدر بـ713.6 مليون دولار. ورغم أن حصة «بوينغ» السوقية في صناعة الطائرات تزيد على 40 في المائة، وكونها إحدى شركتين تحتكران هذه الصناعة، فإن أسهمها انخفضت خلال هذا العام من 345 دولاراً إلى 95 دولاراً، لتستقر في المتوسط عند 120 دولاراً هذه الأيام. كما امتدت استثمارات الصندوق السعودي لـ«والت ديزني»، فاستحوذ على حصة بقيمة 495.8 مليون دولار، وحصة في «بنك أميركا» بـ487.6 مليون دولار، و«فيسبوك» و«سيتي غروب»، بما قيمته 522 مليون دولار، وشركات أخرى، مثل سلسلة مقاهي «ستاربكس».
وقد سبق لصندوق الاستثمارات السعودي في سنوات سابقة التركيز على الشركات التقنية، فقد استثمر بقيمة 45 مليار دولار في صندوق الرؤية التقني مع «سوفت بانك»، واشترى حصة في شركة «أوبر» بقيمة ملياري دولار. ودخل في مفاوضات لشراء نسبة من «تيسلا»، قبل أن يتراجع عن ذلك. كما استثمر بما قيمته 400 مليون دولار في شركة «ماجيك ليب» الناشئة.
إن تنوع مصادر الدخل أحد الأهداف الرئيسية لصندوق الاستثمارات السعودي. والمتابع لاستثماراته يجد أن استثماراته السابقة ركزت على القطاعات التقنية، في وقت كانت فيه أسهم القطاعات الأخرى منتعشة وفي أفضل حالاتها، أما الاستثمارات الأخيرة فقد ركزت على النصف الممتلئ من كأس الجائحة، وهي الشركات التي خسرت كثيراً من قيمها السوقية، دون أن تتأثر أصولها أو نماذجها الاستثمارية بشكل مباشر. وما وضحته هذه الاستثمارات أن الصندوق بالفعل، وكما صرح سابقاً، يبحث عن الفرص الاستثمارية، وأن لديه 325 مليار دولار تبحث عنها، وعن الاستثمارات الاستراتيجية طويلة المدى. ولعل أصدق تعبير لهذه الاستثمارات ما صرح به الصندوق سابقاً، من أن «الصندوق السعودي مستثمر صبور، بأفق طويل المدى».