فرديناندو جوليانو
TT

إيطاليا تتلقى درساً قاسياً عن الوباء

يتطلب الأمر من طلاب مادة الاقتصاد بضع محاضرات من أجل فهم السبب الحقيقي في أن تحديد الحد الأقصى من الأسعار هو دائماً من الأفكار السيئة بصفة عامة. ورغم ذلك، تخيرت الحكومة الإيطالية مؤخراً تحديد الحد الأقصى لسعر الكمامات الواقية للوجه، لتتعلم الدرس نفسه، إنما بالطريقة الصعبة.
وتكمن المشكلة الأساسية في اختيار السعر المنخفض بصورة مصطنعة في أنه سوف يؤدي إلى حدوث النقص في المنتجات، حيث سيرغب المستهلكون في شراء أعداد كبيرة للغاية من المنتجات رخيصة الثمن، في حين يتوجه المنتجون إلى صناعة أعداد قليلة للغاية بسبب نقص المحفزات المالية على الإنتاج. وهذا بالضبط ما يحدث في إيطاليا في الآونة الراهنة بعد أن أعلنت الحكومة الإيطالية أن الأقنعة الجراحية ينبغي أن تُكلف 50 سنتاً للقناع الواحد، باستثناء ضريبة القيمة المضافة.
يقول الصيادلة في إيطاليا إنهم يكافحون مكافحة شديدة من أجل تأمين المخزون لديهم من اللوازم الطبية الضرورية، حيث يفضل المنتجون الأجانب بيع منتجاتهم في أماكن أخرى غير إيطاليا. وعلى الصعيد المحلي، هناك عدد من الشركات الإيطالية التي أعادت تحويل خطوط الإنتاج لديها لصناعة الكمامات الواقية تقول الآن إن السعر المعروض منخفض للغاية، ولا يسمح بتغطية التكاليف. وتقول الحكومة الإيطالية إنها سوف تعوض الصيادلة الذين دفعوا أسعاراً أعلى للحصول على الكمامات الواقية من سعر البيع المحدد حكومياً، غير أن ذلك لن يؤدي إلى حل مشكلة ندرة المعروض من الكمامات الواقية في الأسواق.
ومن المعلوم أن مقاصد روما من وراء ذلك حسنة للغاية، إذ يعتقد العلماء أن الكمامات الواقية يمكنها المساعدة في احتواء انتشار فيروس كورونا الفتاك، لا سيما في الأماكن التي يصعب فيها مراعاة قواعد التباعد الاجتماعي الضرورية، مثل وسائل النقل العام التي لا غنى عنها. وتوصي الحكومة الإيطالية بضرورة استخدام الكمامات الواقية، وقد فرضت بعض السلطات المحلية ضرورة ارتدائها في كثير من الأماكن. والسماح للمواطنين بشراء الكمامات الواقية بسعر معقول لا يقتصر على الإنصاف في حق الفقراء من المواطنين فحسب، وإنما سوف يجعل سياسة استخدام الكمامات الواقية أكثر فعالية، ذلك لأنه سوف يعزز من الامتثال العام للمعايير، مع المساعدة على الإقلال من مخاطر التعرض للعدوى، أو هكذا تفترض هذه النظرية على أقل تقدير.
وقد اكتشفت الحكومة الإيطالية مؤخراً أن تحديد السعر الأقصى لبيع المنتجات لا بد أن يكون جزءاً من استراتيجية أوسع نطاقاً. وهذه من المناسبات التي يمكن للحكومة أن تؤدي فيها دوراً حقيقياً مباشراً. وقبل كل شيء، يتعين على الحكومة التأكد من وجود إمدادات كافية من المنتجين المحليين والأجانب. ويمكن للحكومة بعد ذلك شراء هذه المنتجات بقيمتها السوقية، ثم إعادة توزيعها بأي سعر تحدده. وإذا استلزم الأمر من الحكومة دفع قيمة أكبر من السعر الذي تُباع به الكمامات الواقية للجمهور، فلا بأس في ذلك. فمن شأن ذلك أن يسمح للحكومة أيضاً بمنح الأولوية لأي شريحة من السكان تستحق تلك الأولوية، مثل الأطباء والممرضين أو العمالة الأساسية الأخرى.
ولا تعد إيطاليا الدولة الوحيدة التي تحدد سعر الكمامات الواقية، فقد سبقتها كوريا الجنوبية وتايوان إلى تلك القرارات من قبل. ومع ذلك، كانت الخطوة الأولى التي اتخذتها تلك الحكومات تتمثل في زيادة الإنتاج المحلي، أو على أقل تقدير اعتماد مركزية التوزيع بشكل كبير. واليوم، تتمكن تايوان من إنتاج 17 مليون كمامة واقية في اليوم لتعداد السكان البالغ 24 مليون نسمة فقط.
وفي 5 مارس (آذار) من العام الحالي، أعلنت حكومة كوريا الجنوبية أنها تعتزم شراء 80 في المائة من الإنتاج المحلي من الكمامات الواقية. وبدأت إيطاليا في اتخاذ بعض الخطوات في هذا الاتجاه، بيد أن الإخفاق التام في خطة تحديد الحد الأقصى من الأسعار يهدد بعرقلة تلك الجهود. وحذت مالطا حذو الحكومة الإيطالية في ذلك، إذ حددت أقصى سعر للكمامة الواقية عند 0.95 يورو، رغم شكوى الصيادلة في مالطا من أن هذا السعر متدنٍ للغاية.
وهناك تداعيات ذات أثر اقتصادي واسع المجال داخل إيطاليا لسجالات كمامات الوجه الواقية في زمن الوباء الفتاك، إذ تسعى كثير من الشركات في مختلف أرجاء العالم إلى الحصول على الدعم الحكومي، في الوقت الذي تكافح فيه للاستمرار، في ظل اقتصاد منهك للغاية، يعاني من الركود. وربما يميل الساسة إلى الاستعانة بسلطاتهم في فرض الأسعار المنخفضة بشكل مصطنع. وقبل أن يتخذوا هذه القرارات، من الأفضل لهم الاطلاع على الفصول الأولى من كتب الاقتصاد الأساسية.

- بالاتفاق مع «بلومبرغ»