تيلر كوين
TT

هل يولّد «كورونا» نمطاً سياحياً جديداً؟

في نهاية الأمر سيجري تخفيف إجراءات الإغلاق وتصبح الحياة العامة أكثر أمناً إلى حد ما، رغم أن مسألة إيجاد مصل ستبقى بعيدة المنال. في تلك الفترة، ستعاود فئة من الناس الظهور كانت في حالة كمون كالسياح.
من جانبي، زرت حوالي 100 دولة على مدار العقود القليلة الماضية، وعندما ينحسر هذا الوباء أتطلع نحو العودة إلى متن الطائرات. في الواقع متعة مشاهدة مكان جديد والانغماس في عاداته ومحاولة سبر أغوار ألغازه الثقافية واحدة من أكبر المغامرات التي أستمتع بها في حياتي. أيضاً، تعين هذه الرحلات على توطيد أواصر العالم معاً، وأعتقد كذلك أنها تشجع التجارة والسلام على الصعيد العالمي. ومع ذلك، فإنه على مدار المستقبل القريب على الأقل، من المحتمل أن تكون حركة السياحة أكثر تواضعاً. الواضح أن أعداداً أكبر بكثير من الرحلات ستجري باستخدام السيارات إلى مناطق قريبة، بينما ستظل مسألة الانتقال جواً تبدو مغامرة محفوفة بالمخاطر. ونظراً لأني أقيم في شمال فيرجينيا، فقد بدأت بالفعل في التفكير في استكشاف جمالي كونيتيكت، أو إعادة زيارة ممفيس، وهما رحلتان لم أكن لأفكر في القيام بهما في ظل ظروف مغايرة. كما أنهما من الرحلات الرخيصة التكلفة نسبياً، وسيحمل هذا الأمر أهمية كبيرة في ظل انكماش الدخول.
ومع هذا، وحتى في ظل وجود حالة كساد أعتقد أنه سيكون هناك طلب مرتفع على السفر، على الأقل بسبب شعور الناس بالتقييد والرغبة في الحركة. كما أن هناك حاجة قوية لمقابلة أفراد الأسرة والأصدقاء والشركاء في العمل.
وسيتطلع السياح نحو أماكن تبدو آمنة. وقد سألتني ابنتي في وقت قريب حول الفترة التي يستغرقها الانتقال بالسيارة إلى نيوفاوندلاند (هي على نفس مسافة تكساس تقريباً، والتي تعني في رأيي قيادة السيارة خمسة أيام). الحقيقة أنني لطالما راودتني الرغبة في رؤية المناظر الطبيعية الخلابة، ونظراً لمساحتها الواسعة وعدد سكانها الذي لا يتجاوز نصف مليون نسمة، فإنها تبدو مثالية لممارسة التباعد الاجتماعي.
بطبيعة الحال تكمن المشكلة في أن نيوفاوندلاند ربما لا تكون شغوفة لاستقبالنا، خاصة وأنه أصبح من الصعب على الأميركيين بالفعل دخول كندا، وتفرض نيوفاوندلاند حالياً على زائريها إخضاع أنفسهم لعزلة ذاتية طوال 14 يوماً بعد الوصول. أيضاً، تصر هاواي، وهي بقعة أخرى تملك سجلاً جيداً نسبياً فيما يخص فيروس «كوفيد ـ 19» وهي مقصد أساسي لقضاء العطلات، على فرض حجر صحي لمدة 14 يوماً على الزائرين غير الأساسيين.
ورغم أنه لن تبقى جميع هذه القيود بعد عام من الآن، فإنه من السهل رؤية أين تقع المشكلة هنا: الأماكن الأكثر أمناً ستكون هي ذاتها الأكثر فرضاً للقيود. وحتى لو أجرت شركات الطيران فحوصات للركاب بخصوص «كوفيد ـ 19»، ربما تبقى مقاصد العطلات قلقة إزاء السماح بدخول أعداد كبيرة على نحو مفرط من الزائرين.
وربما تقرر بعض المناطق المحلية الأكثر أمناً فتح أبوابها مع إقرار حصص محددة لأعداد الزائرين. وقد يؤدي ذلك إلى تقليص جاذبية المكان في أعين السياح، أو إقبالهم عليه لتمتلئ الحصة بسرعة كبيرة، ويبدأ البحث عن البقعة التالية، والتي قد تكون نوفا سكوتيا أو آيسلندا. وسيتنافس السياح فيما بينهم ويهيمن على الجميع سؤال: «هل نجحت في الدخول قبل غلق الباب؟».
وقد تسمح بعض الدول باستقبال زائرين فقط بالأماكن القاصية لديها (وربما الأقل جاذبية)، مع فرض المراقبة الإلكترونية لتحركات الزائرين. ومن بين الجهات المحتملة على هذا الصعيد وسط أستراليا. في الواقع لطالما راودتني الرغبة في زيارة الساحل الشمالي الغربي لساوث آيلاند في نيوزيلندا.
على الجانب الآخر، ربما تتبع بعض دول العالم الأشد فقراً استراتيجية «مناعة القطيع»، وإن كان على نحو غير متعمد بالضرورة، وإنما لأن مؤسسات الصحة العامة لديها ضعيفة بدرجة تجعلها عاجزة عن تقديم استجابة فاعلة لوباء «كوفيد ـ 19». وبعد عام ونصف العام من الآن، من المحتمل أن تفتح بعض هذه الدول أبوابها أمام حركة السياحة. ورغم أنها لن تتمكن من إثبات أنها آمنة، فإنها ربما تكون جيدة. وستجتذب هذه الدول نوعية السائحين العاشقين لخوض المخاطر والذين قبل تفشي وباء «كوفيد ـ 19» ربما كانوا ليتوجهوا إلى مالي أو الأجزاء الغريبة من الهند.
فيما يخص الأميركيين، ربما تتمثل مثل هذه الأماكن في منطقة الكاريبي، التي تضم العديد من الدول الفقيرة نسبياً التي تعتمد على السياحة. وستحتاج هذه الدول إلى المال وربما تضطر إلى فتح أبوابها أمام الزائرين في وقت مبكر، باعتبار أنه ليس لديها الكثير لتخسره. وحتى إذا استمرت حالة الشلل في مجال شركات الطيران، فإن رحلات الطيران العارض (التشارتر) بمقدورها ربط هذه الجزر بأميركا الشمالية. ومن جديد، ربما تتدفق أعداد هائلة من السائحين بسرعة على هذه الجزر.
وربما تفرض دول أخرى رسوم دخول، مثلما فعلت بوتان منذ وقت طويل. وربما لا يزال في مقدورك زيارة تاج محل، لكنها ستكلفك 2000 دولار إضافية. وربما تخضع لاختبار فيروس «كوفيد ـ 19» وللمراقبة، بل وقد يجري ترحيلك إذا ما خرقت شروط إقامتك.
المؤكد أن الأماكن التي يمكن الوصول إليها عبر رحلات طيران مباشرة ستكون أكثر جاذبية، وسيشعر الركاب بتقدير لشعورهم بالثقة من أنهم حصلوا على موافقة بدخول مقصدهم النهائي وأنه لا داعي لأن يشعروا بالقلق حيال التأخير أو الإلغاء. وبذلك، سيميل التفضيل نحو لندن وباريس وتورنتو وروما والمدن الأخرى المتميزة بشبكة اتصالات جيدة والتي تضم الكثير من المزارات والكثير من الأنشطة التي يمكن الاضطلاع بها. وسترغب أعداد أكبر من الأشخاص في زيارة منطقة واحدة فقط، دون الحاجة للشعور بالقلق والحاجة للحاق بالقطار للوصول للمدينة التالية. أو ربما يفضلون جولة عبر السيارة. مثلاً، ربما يفكر البعض في السفر جواً إلى باريس ثم الانتقال بالسيارة عبر مجموعة مختلفة من الكاتدرائيات التاريخية ومدن إقليم نورماندي.
من جانبي، سأحاول زيارة باركسبرغ في ويست فيرجينيا.
-بالاتفاق مع «بلومبرغ»