فايز سارة
كاتب وسياسي سوري. مقيم في لندن. عمل في الصحافة منذ أواسط السبعينات، وشارك في تأسيس وإدارة عدد من المؤسسات الإعلامية، وكتب في كثير من الصحف والمجلات، ونشر دراسات ومؤلفات في موضوعات سورية وعربية. وساهم في تأسيس العديد من التجارب السياسية والمدنية.
TT

نحو مسار جديد لرابطة الصحافيين السوريين

نادراً ما قابلت صحافياً سورياً راضياً عن وضع ومسار رابطة الصحافيين السوريين. الصحافيون الشباب لديهم كثير من الملاحظات على الرابطة، وعلى أغلب الأشخاص الذين تولوا فيها مسؤوليات منذ تأسيسها عام 2012، خاصة بصدد طريقتهم في الإدارة ومعالجة المشكلات. والأكبر عمراً لديهم ملاحظات أيضاً، لكن أغلبها تتصل بالشباب من أعضاء الرابطة الموصوفين، حسب كهول الصحافة، بـ«التسرع» و«الاختلاف والتخالف» وإطلاق الأحكام على أي شيء، وفي كل وقت، وأينما كان.
ومن الطبيعي أن يكون الصحافيون السوريون غير راضين عن الرابطة، وعندهم ملاحظات، بعضهم على بعض، وعلى الرابطة، إذا نظرنا للأمر من زاوية أن الرابطة وقياداتها ينبغي أن تكون في حالة مثالية في أفكارها وتنظيمها وإدارة عملها سيراً إلى أهدافها المعلنة، وكذلك في سعيها نحو مسايرة تطلعات أعضائها وتلبية مطالبهم، وهي تطلعات ومطالب ليس لها سقف، لأنها كائن يتحدد حسب الشخص، وتتبدل أشكاله بين وقت وآخر، خاصة في النوع والكم، مما يجعل تحققها على نحو عام أمراً غير ممكن من الناحية الواقعية، وهو ما ينقلنا إلى فكرة برمجة عامة لمختلف التطلعات والمطالب، ومرحلتها حسب الضرورات والواقع، وبما يتناسب مع إمكانيات الرابطة، في ظل البيئة التي تعمل في حدودها، وأعتقد أن هذا لب المشكلة في ملاحظات الصحافيين السوريين على رابطتهم، وبعضهم على بعض.
ولدت رابطة الصحافيين السوريين من رحم حاجة العاملين والناشطين في قطاع الإعلام إلى إطار يجمعهم بعد انطلاق الثورة، وقد شكلوا أحد أبرز أجنحتها عبر دورهم في تغطية الأخبار والتطورات الميدانية، وبعضهم زاد إلى ما سبق متابعة أحوال المناطق الثائرة وسكانها، والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى المشكلات المستجدة.
لقد احتاج الفاعلون في الثورة إلى أوعية تنظيمية تجمعهم، فأسسوا التنسيقيات التي انطلق أغلب النشاط الإعلامي منها، وإن لم يكن محصوراً فيها، وشيئاً فشيئاً أخذت تظهر الحاجة إلى منابر إعلامية، وأخرى متخصصة منفصلة عن التنسيقيات، كما ظهرت حاجة إلى إقامة منظمة ترعى شؤون العاملين في الإعلام، سواء من المحترفين المنخرطين بالثورة أو الناشطين الإعلاميين فيها، بعد أن توسعت حرب النظام عليهم، عبر القتل والاعتقال والملاحقة، مما شكل مدخلاً لربط السياسي والنقابي في فكرة الجسد التنظيمي للإعلاميين السوريين المأمول، وكان ذلك واضحاً جلياً في البيان التأسيسي لرابطة الصحافيين الذي صدر في فبراير (شباط) 2012، وكانت النتيجة اختلاطات نقابية وسياسية في عمل الرابطة وعلاقاتها التفاعلية، وكان هذا إحدى أبرز المشكلات في عمل الرابطة في السنوات الماضية.
المشكلة الأهم التي رافقت تأسيس الرابطة أن فكرة العمل النقابي عند الصحافيين السوريين كانت ضعيفة. كهول الصحافيين السوريين الذين عاشوا أو عرفوا تجربة اتحاد الصحافيين السوريين يعرفون أن الاتحاد لم يكن في يوم من الأيام منظمة نقابية، بل مجرد جوقة تطبيل وتزمير لنظام الأسد من الأب إلى الابن؛ والشباب ليست لديهم تجارب في العمل النقابي، ومن لديه معرفة بذلك قلة موزعة بين المعرفة النظرية أو المشاركة العملية في تجارب نقابية مختلفة في جوهرها عن التجربة النقابية التي تحاول الرابطة خلقها.
وما سبق يضاف إلى مشكلة أن الرابطة لا تعمل على أرضية ثابتة مستقرة، كما هو عليه حال التنظيمات النقابية المماثلة، حيث لديها ساحة جغرافية محددة، يسود فيها قانون يحكم وجودها وعلاقاتها، ويحفظ حقوق أعضائها، بل ليس لها روابط قانونية وإدارية تربط علاقاتها بالمؤسسات الصحافية التي يشتغل الصحافيون السوريون فيها، كما أنَّ أغلب تلك المؤسسات ليست سورية، أو أن التأثير الخارجي عليها أساسي، حيث يظهر أثر التمويل والإدارة في كثير من «المؤسسات الإعلامية السورية»؛ وكله يجعل من عمل الرابطة في القسم الأساسي من مهماتها المهنية - النقابية محدوداً. خلاصة ما أحاط بالرابطة عند تأسيسها جسدت وضعاً إشكالياً وضعها في موقع الجمع بين السياسي والنقابي في اهتماماتها وفي عملها، ووضعها في مكانة تجربة أولى، تخلق لنفسها وللأعضاء فيها تجارب جديدة، إن لم نقل إنها غير مسبوقة في كل شيء، وأن تولد قدرات وطاقات جديدة في التعامل مع أوضاع مختلفة متحركة في مختلف المجالات.
وسط هذا الوضع المعقد، سعى مؤسسو الرابطة بكل طاقتهم إلى تأسيس كيان الرابطة، من حيث تحديد ماهية الرابطة وهويتها، عبر إنشاء النصوص التأسيسية، البيان التأسيسي والنظام الأساسي، ثم خلق الكيان التنظيمي، من الرئاسة إلى الهيئة الإدارية، وصولاً إلى لجان الرابطة التي هي بمثابة مكاتب أنشطة الرابطة، وأضيف إلى ما سبق مجموعة روابط وعلاقات الرابطة مع المحيط، سواء كان المحيط السوري أو الإقليمي الدولي، وكان أهم ما في الاثنين أمران، هما: ميثاق الشرف الإعلامي الذي نسج أسس العلاقة بين الرابطة ومنابر الإعلام السوري؛ وعلاقة الرابطة بالمؤسسات الصحافية والإدارية في بلدان نشاطها الرئيسي، ومنها فرنسا التي تم فيها ترخيص الرابطة وغيرها، إضافة إلى انتساب الرابطة إلى الاتحاد الدولي للصحافيين الذي أعطى الرابطة «غطاءً قانونياً» يمكّنها من الدفاع عن حقوق الصحافيين، وبناء إعلام حر مستقل في سوريا المستقبل.
ورغم أهمية ما تم إنجازه من خطوات، فإن مشكلات الرابطة ظلت متواصلة، وسط صراعات ومناكفات واتهامات، بعضها خطير، وإن كانت لا تهدد وجود الرابطة، فإنها تضعفها وتضرب مصداقيتها وتمثيلها ودورها المفترض، مما يجعل معالجة هذه المشكلات في قائمة أولويات الرابطة في المرحلة المقبلة، ومما يشجعني على هذا المسعى خلاصات جهد لجنة الحكماء التي سعت لمعالجة بعض الخلافات داخل الرابطة في العام الماضي، وكان لي شرف المشاركة فيها، إلى جانب ثلاثة زملاء، أحدهم مرشح في القيادة الجديدة للرابطة.
إن النقاط التي تستحق اهتمام الرابطة في المرحلة المقبلة تتلخص في ثلاث؛ أولاها التركيز على فكرة تهدئة الصراعات والخلافات داخل الرابطة، وأغلبها صراعات وخلافات غير جوهرية، ومحكومة بآراء ومعلومات شخصية وبأجواء انفعالية، لا تجد من يهدئها أو يكشف خطأها بنقاش هادئ موضوعي، قبل اللجوء إلى مصفوفة عقوبات النظام، بصفته آخر فصول العلاج، بل إنه يمكن مشاركة هذه الإجراءات بفتح بوابات للحوار والتدريب على الاختلاف والخلاف لأعضاء الرابطة في تجمعاتهم، من الأكبر عدداً إلى الأصغر، وأن تكون قيادات الرابطة حاضرة في هذه الأنشطة لإعطائها زخماً وقوة.
والنقطة الثانية، تغليب الجانب المهني والنقابي وإبرازه في عمل الرابطة، وهو ما يشكل أساساً جامعاً لأغلبية الأعضاء، خاصة أن موقف الرابطة وموقعها من القضية السورية واضح صلب في التزام صف الشعب والثورة والدفاع عنها، وقد يكون في صلب الجهد المطلوب في هذا الجانب تنظيم ندوات يشارك فيها فاعلون نقابيون من تجارب دولية وعربية وسورية لتعزيز بنية المنظمة النقابية.
والنقطة الثالثة، توجه الرابطة نحو خلق مجموعة إعلامية تكون مثالاً للمؤسسة المهنية الاحترافية، ويمكن أن تبدأ المجموعة من أي نقطة في دائرة المجموعة الإعلامية، والانطلاق منها نحو استكمال الدائرة، وهذا سيعزز قدرات الرابطة ويقويها، ليس وسط أعضائها فقط بل لدى الآخرين، كما سيوفر للأعضاء فرص تدريب وتنمية قدرات في تخصصات مختلفة، ويعزز فكرة العمل التطوعي لأعضاء الرابطة والساعين لعضويتها.
تحتاج الرابطة إلى عقليات عصرية، تنظر بصورة مختلفة إلى واقعها ومشكلاتها وطرق حلها، وهذا ما ينبغي أن يكون رهان أعضاء الرابطة والمهتمين بمستقبلها من السوريين. وهذه الطريقة لا تحل، إذا تم الأخذ بها، مشكلات الرابطة فحسب، بل أغلب مشكلات تنظيمات ومنظمات السوريين القائمة.