خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

ترتيب الأسبقيات

من أكثر الأمثلة الشائعة في البلدان العربية المثل القائل: «حضّر المعلف قبل الحمار»، ويقولون أحياناً قبل الحصان. ويقصد به انتقاد من يسيء ترتيب الأسبقيات في معيشته، فيكون شأنه شأن الرجل الذي يبني المعلف أو الاصطبل قبل أن يكون لديه ما يضعه فيه من حصان أو حمار. شيوع هذا المثل في سائر بلداننا العربية إنما يدل على اعتيادنا في سوء ترتيبنا للأسبقيات.
هناك أمثلة عربية أخرى تفيد نفس المعنى أيضاً، ومنها ما يرددونه في فلسطين بقولهم «لباس مالوه وتكته أربا طعشر». أي لا يملك لباساً يستر به نفسه ويشتري تكة اللباس بأربعة عشر ديناراً. ومما يلفت النظر أن هذا المثل قد شاع بشكل عجيب في الأرض المحتلة منذ تم توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل قبل سنوات. والأمثال طبعاً تجسم الموقف والحالة القائمة في البلاد.
مع ذلك، لا بد من الاعتراف بأن هذه الحالة التي أوحت بهذا المثل «حضر المعلف قبل الحمار»، حالة غير قاصرة على العرب، بل هي نقيصة إنسانية عامة يشترك فيها سائر البشر، مع اختلاف الدرجات. لهذا توجد مرادفات للمثل في اللغات الأخرى. يقول الإنجليز مثلاً بهذا المعنى Put the cart before the horse أي يضع العربة أمام الحصان. وفي اختلاف المثلين إشارة إلى اختلاف المستوى المعيشي. عندنا حمار فقط وعندهم حصان وعربة يجرها الحصان.
أما أصل هذا المثل العربي الشائع في شتى جهات الشرق الأوسط فهو قصة طريفة حقاً. فيقال إن رجلاً وجد حدوة حمار في الطريق فالتقطها وعاد بها إلى بيته فرحاً. وانطلق جاداً في بناء معلف للحمار في فناء البيت، فلاحظت ذلك زوجته فتعجبت ولم يكن عندها أي دابة، بل ولم تفكر في أي دابة. فسالت زوجها عن الموضوع فأظهر لها حدوة الحمار التي عثر عليها في الطريق العام.
وقال لها: انظري هذه حدوة واحدة فقط. ولكنني سأخرج بعد أيام إلى الطريق والأسواق وأبحث عن حدوة ثانية ثم أبحث عن حدوة ثالثة وأخيراً أجد في طريقي في مكان ما الحدوة الرابعة. وعندما تكتمل أربع حدوات عندي في البيت، سأذهب واشتري حماراً أضع عليه الحدوات الأربع وأعود به إلى المعلف الذي كنت قد بنيته له!
فرفعت زوجته عينيها إلى السماء وقالت شاكية أمرها لله عز وجل: «حضر المعلف قبل الحمار». وجرت كلماتها مثلاً شائعاً بين الناس شرقاً وغرباً. تشير إلى عشوائية الأسبقيات في حياتنا.