يوجين روبنسون
كاتب اميركي
TT

الاتفاقية التي احتاجها العالم

المؤكد أن الإعلان المدهش الصادر هذا الأسبوع حول إبرام اتفاق طويل الأمد بين إدارة أوباما والحكومة الصينية حول الانبعاثات الكربونية، يعد أفضل خبر بيئي ورد إلى مسامعنا منذ سنوات، ذلك أنه يعني ببساطة أن العالم ما تزال أمامه فرصة للنجاة بنفسه من كارثة كبرى.
ولا تقتصر أهمية الاتفاق، الذي سعى وراءه بدأب وزير الخارجية جون كيري على كونه اتفاقًا بين أكبر دولتين تصدر عنهما انبعاثات مسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.
جدير بالذكر أن الهدف الطموح الذي أقرته الصين لنفسها بتوليد 20 في المائة من طاقتها من مصادر أخرى بخلاف الوقود الحفري بحلول عام 2030 يعد باستثمارات هائلة وابتكارات ضخمة ـ وسيشكل دفعة كبرى لتقنيات الطاقة النظيفة، مما سيخلف تأثيرًا عالميًا.
ولا ننكر كذلك أن الوصول إلى الأهداف التي أقرتها واشنطن مؤخرًا لن تكون بالأمر اليسير، ولا أن الانبعاثات الصادرة عن الهند، ثالث أكبر دولة تصدر انعاثات مسببة للاحتباس الحراري، ستستمر من دون قيد ـ على الأقل في الوقت الراهن.
بيد أن جميع هذه التحذيرات تتضاءل بجانب حقيقة أن الاتفاق الأميركي ـ الصيني سيعزز المفاوضات الجارية تحت رعاية الأمم المتحدة للتوصل إلى اتفاقية لمجابهة التغييرات المناخية، والتي ظلت تسير بخطى متثاقلة لسنوات وكانت على وشك الانهيار التام. ويقضي هذا الاتفاق تمامًا على الحجة التي كان يتذرع بها البعض بأن أي اتفاق دولي لا معنى له من دون إبداء أكبر دولتين مسؤولتين عن الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري ـ تتحمل الدولتان معًا مسؤولية حوالي 40 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الملوثة للغلاف الجوي ـ استعدادهما للبدء بنفسيهما.
من جهته، سارع رئيس مجلس النواب جون بويهنر بالتنديد بالاتفاق الجديد باعتباره «أحدث مثال على الحملة التي يشنها الرئيس ضد مصادر الطاقة ذات التكلفة المناسبة، والتي يمكن الاعتماد عليها، وهي حملة تضر بالفعل بالوظائف وتزيد الأعباء على كاهل أسر الطبقة المتوسطة». أما السيناتور ميتش مكونيل، الذي سيصبح قريبًا زعيمًا للأغلبية، فقال إنه «مغموم للغاية» بسبب هذا الاتفاق.
بيد أنه على الأقل هناك عذر لمكونيل، فهو ينتمي لولاية تشتهر بمناجم الفحم، حيث لا يمكننا أن ننتظر من السياسيين التهليل لخبر فرض قيود على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
من ناحية أخرى، وصف الرئيس الجديد للجنة شؤون البيئة والأشغال العامة، السيناور جيمس إنهوف المنتمي لأوكلاهوما ـ ولاية لا يمثل فيها الفحم صناعة كبيرة ـ التغييرات المناخية بأنها «خدعة» ومؤامرة «لإغلاق الآلة التي تحمل اسم أميركا».
ورغم أن رأي إنهوف هذا تحيطه الشكوك تبقى الحقيقة كالتالي: السيناتور الذي يملك السلطة الكبرى للتأثير على السياسات البيئة الأميركية يعتقد أن التغييرات المناخية أمر غير ممكن الحدوث، ناهيك عن كونها واقعا.
وتكمن مشكلة الجمهوريين الراغبين في تعطيل الإجراءات المعنية بالمناخ في أن أوباما بمقدوره المضي قدمًا في تنفيذ هذه الأجندة من دونهم، ذلك أنه رغم امتلاك الحزب الجمهوري أصواتًا كافية داخل مجلس النواب لتمرير تشريع يعوق هذا أو ذلك من الأمور، فإنه لا يملك ما يكفي من الأصوات لتجاوز عتبة مجلس الشيوخ لما وراءه، وهو ما يستلزم 60 صوتًا. وحتى إذا نجح الجمهوريون في تمرير تشريع ما عبر مجلسي الكونغرس، الشيوخ والنواب، فإن أصواتهم أقل بكثير عن الثلثين المطلوب للتغلب على فيتو رئاسي.
أما أوسع الإجراءات تأثيرًا بخصوص التغييرات المناخية فستصدر عن وكالة الحماية البيئية، فبحلول منتصف 2015 من المقرر أن تصدر الوكالة قواعد جديدة تحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من منشآت توليد الطاقة القائمة والجديدة. فيما يخص الصين، فإن التساؤل الآن هو: ما إذا كانت الصين ملتزمة بالفعل بمحاربة التغييرات المناخية بما يدفعها ليس فقط للالتزام بأهدافها المعلنة، وإنما أيضًا تجاوزها، مثلما توقع الرئيس شي جينبينغ بثقة؟ سنرى.
تبقى الحقيقة المؤكدة أن العالم الآن أصبح أقرب بكثير من نقطة اتخاذ إجراءات حقيقية في مواجهة التغييرات المناخية، عما كان عليه منذ أسبوع مضى. وربما يكون هذا الإنجاز الأكبر لأوباما.
* خدمة «واشنطن بوست»