بروك سذرلاند
TT

«كورونا» يعيد تعريف البنية التحتية الحيوية

مع ما يقرب من 10 ملايين مواطن أميركي تقدموا بطلبات الحصول على إعانات البطالة خلال الأسبوعين الماضيين، استمر إغلاق المطاعم وصالات الألعاب الرياضية مع توقف أكثر من نصف أسطول الطائرات في العالم. يبدو الأمر كأن الاقتصاد على النحو الذي نعلمه قد توقف تماماً. لكنّ المجريات الأساسية لا تزال تعمل إلى حد كبير. ومع الشجاعة غير المعهودة التي وجدناها لدى عمال توصيل الطلبات إلى المنازل ولدى عمال البقالة في المتاجر، فإن الكثير من القوى العاملة في مختلف مصانع البلاد لا تزال تواصل عملها من دون توقف. وفي عصر وباء «كورونا»، تقع مساحات كبيرة من قطاع الصناعات التحويلية في الولايات المتحدة تحت مظلة «البنية التحتية الحيوية»، الأمر الذي يعني استمرار افتتاح المرافق المختلفة حتى في مواجهة الطلبات الصارمة بالتزام المنازل والإغلاق العام.
كتبت كثيراً في الآونة الأخيرة عن الأساليب التي يحاول بها أصحاب الصناعات الإنتاج خارج نطاق اختصاصاتهم الطبيعية لمعاونة البلاد على مكافحة انتشار فيروس «كورونا»، سواء كان ذلك بإنتاج المواد المطهرة اليدوية، أو تحول شركات صناعة الملابس إلى إنتاج الأقنعة الواقية، أو إنتاج شركة «جنرال موتورز» أجهزة التهوية مؤخراً. ويواصل البيت الأبيض توجيه أصابع الاتهام بلا مبرر ضد الشركات التي تحاول المساعدة، حيث صارت شركة «ثري إم» آخر الشركات على قائمة الغضب الرئاسي من تغريدات الرئيس دونالد ترمب، الساخنة على الرغم من تكثيف إنتاجها لأقنعة الوجه في الآونة الأخيرة.
وتولت الإدارة الأميركية أخيراً بعض المسؤولية فيما يتعلق بتنسيق الدفعة الإنتاجية للمعدات الطبية الرئيسية، حيث أقرت العمل بقانون الإنتاج الدفاعي اعتباراً من الأسبوع الماضي لمساعدة شركات تصنيع أجهزة التنفس الصناعي على شراء الإمدادات اللازمة ومنح الأولوية للولايات المتحدة من شحنات أجهزة التنفس الصناعي طراز (إن 95). ولا تزال تلك الجهود شحيحة وهزيلة، كما أن هناك مخاطر من أن تؤدي الاتجاهات الحمائية إلى نتائج عكسية وخيمة. ولكن يجب توفير أجهزة التنفس الصناعي من مكان ما، كما هو الحال تماماً مع المواد الأخرى الخاصة بأجهزة التنفس. ويتعين على شركة أخرى التأكد من سهولة انتقال هذه المنتجات من نقطة التصنيع إلى نقطة الاستخدام بيسر وسلاسة.
قالت راشيل جونز، نائبة رئيس سياسات الطاقة لدى الرابطة الوطنية للمصنعين، في محادثة هاتفية: «عندما تبدأ التفكير في كل هذه الأمور، يتحول الواقع إلى سلسلة كبيرة للغاية مطلوب التأكد من خلالها أن كل شخص لديه ما يحتاج إليه». وتعني طبيعة بعض أعمال التصنيع أن الموظفين سوف يحتاجون لأن يكونوا على اتصال وثيق نسبياً بعضهم مع بعض، وأن المسؤولية ملقاة على عاتق الشركات لضمان اتخاذهم للاحتياطات اللازمة وبدرجة كافية.
وتعرّف التوجيهات الصادرة عن وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية، وهي شعبة تابعة لوزارة الأمن الداخلي الأميركية، العمالة الأساسية بأنهم أولئك العمال الذين يضمنون استمرار تشغيل البنية التحتية الحيوية من خلال تنفيذ أعمال الإصلاح والصيانة المستمرة، مع دعم مراكز الاتصال، وسلاسة سلاسل التوريد، وأعمال التشييد والبناء، وغير ذلك من الوظائف العملانية ذات الأهمية.
وتندرج الصناعات التي تقع ضمن هذه المجموعة من الزراعة، والنقل، والخدمات المالية، والكيماويات، والدفاع. وهذا ليس كل شيء بكل وضوح، ولكن التعريف لا يزال واسعاً وفضفاضاً بصورة لا تُصدق. والمقصود من توجيهات وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية أن تكون استشارية وليست إلزامية، حيث يمكن لكل ولاية وضع القواعد والتوجيهات الخاصة بها، وكذلك الشركات التي تعد ضرورية يمكنها اتخاذ ما يلزمها من إجراءات إغلاق المصانع بدوافع القلق على صحة العمال.
وقامت شركة «بوينغ»، على سبيل المثال، بإغلاق العمل في أحد المواقع لمدة أسبوعين كاملين لكل من الطائرات التجارية والناقلات العسكرية وطائرات الدوريات البحرية إثر وفاة أحد العمال بسبب مضاعفات الإصابة بفيروس «كورونا». ولكن هناك درجة محدودة من تعطل الأعمال في عالم الصناعات المتعددة، مع إغلاقات المصانع بصفة متقطعة، أو عشوائية بصورة عامة.
وفي مقابل كل حالة إغلاق بارزة، مثل قرار شركة «فورد» بإبقاء مصانعها في أميركا الشمالية مغلقة إلى أجل غير مسمى، هناك العديد من الأمثلة المضادة. ربما لا تعاني المباني الإدارية من مشكلات التدفئة أو التهوية في الآونة الراهنة، ولكن المخاوف طالت المستشفيات، والمختبرات، ومحال السوبر ماركت. ولا تزال شركة «ترين تكنولوجيز» تواصل تصنيع وتوفير المنتجات لخدمة هذه الأغراض. وأصبحت خدمات النقل المبردة لشركة «كارير غلوبال كورب» من الخدمات الضرورية للغاية، إذ يجري نقل الغذاء والدواء بهذه الطريقة عبر مختلف أرجاء البلاد. وتستعين صناعات الأدوية والتكنولوجيا الحيوية، بين أمور أخرى، بمعدات من شركة «روكويل أوتوميشن» للمحافظة على سير خطوط الإنتاج بسلاسة. كما تستخدم الآلات من شركة «كاتربيلار» في نقل السلع الأساسية، كما تساعد محركات الشركة على المحافظة على الطاقة في مراكز البيانات المختلفة.
ومن المهم في الآونة الراهنة تفهم مدى الحاجة الماسة إلى طائرات «إف - 35» المقاتلة المتطورة أو للغواصات النووية في الوقت الحالي، رغم صعوبة إدراك السبب الحقيقي وراء ذلك. ولكن الدكتور لورين تومبسون، مدير العمليات في معهد «ليكزينتون للأبحاث»، وهو المؤسسة البحثية التي تتلقى الإسهامات من صناعات الطيران والدفاع، يقول: «يمكن للحرب الحديثة أن تكون أكثر ضراوة وأشد فتكاً من الأوبئة الفيروسية على المستويات كافة، ولأجل ذلك لا بد من وجود الجيش لردع التفكير في الحرب».
ووجهة نظر واشنطن تقول إنه إذا كنت لا تستطيع القيام بذلك مباشرةً فإن أوجه البنية التحتية الحيوية الأخرى كافة معرضة للمخاطر. وتوفر الصناعات الدفاعية وسيلة مباشرة إلى درجة ما لتعزيز المحفزات الاقتصادية الأميركية. إذ استمرت التعاقدات الدفاعية في التدفق، وعجّلت وزارة الدفاع الأميركية من سداد المدفوعات، مع هدف واضح يتمثل في تيسير التدفق النقدي إلى أيادي الموردين، والكثيرين منهم يخدمون الصناعات التجارية المحاصرة بسبب الفيروس راهناً. وتحقيقاً لهذه الغاية، أعلنت القوات الجوية الأميركية خلال الأسبوع الإفراج عن مبلغ 882 مليون دولار كانت محجوبة عن شركة «بوينغ» لصناعة الطائرات بسبب أوجه القصور المسجلة في برنامج الناقلات العسكرية.

- بالاتفاق مع «بلومبرغ»