د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

إدارة الظِل!

مشكلة المميزين في بيئات العمل العربية أنه قلما تجد لهم صفا ثانيا، كما هو الحال مع منتخبات كرة قدم وغيرها. وإن وجدت كان الأمر إما محض صدفة أو اجتهادا شخصيا من المسؤول نفسه وليس جهة عمله. غير أن فكرة «استدامة» المميزين في العمل تتطلب عملا مؤسسيا، بحيث يكون لكل مدير شخص أو متدرب يرافقه كظله، بين حين وآخر، حتى ينهل من علمه ومهنيته وقيمه النبيلة.
هذه الفكرة هي ما تدفع مؤسسات عالمية إلى تطبيق نظام «إدارة الظل» Shadow Management أو «الظل الوظيفي». من تلك المنظمات العربية مثلا المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة في الإمارات التي أطلقت «برنامج الظل الوظيفي»، وهو شكل من أشكال تدريب الموظفين الجدد والطلاب على الأنظمة واللوائح وآلية سير العمل.
وحتى في عالم الطب تجد طبيبا مخضرما يرافقه آخر من المبتدئين كظله. وفي أحيانا كثيرة تجد أطباء كبار يرافقون طبيبا ماهرا في لجنة طبية أو في عملية جراحية مستعصية لينهلوا من خبرته.
مشكلة بعض الإدارات أنها توفر خطة تهيئة الكوادر اللامعة بنظام الظل وغيره، لكن العلة تكمن فيمن لا يدركون أهمية الإصغاء بكل جوارحهم لهذا المسؤول المخضرم الذي ما أن يغيب أو يتقاعد حتى يدركوا حجم الفراغ المهني الذي يعيشونه في محيط «مديرين من ورق». فهؤلاء الحاليون يحملون مسميات رنانة لكنهم لا يفقهون شيئا في مجريات العمل، فكيف لهم أن ينيروا الطريق لغيرهم. وهذه هي المعضلة. ولذا يتوقع من برنامج الإدارة بالظل أن يبقى مقصورا على المديرين المتألقين والمتفانين حتى يصبح من يرافقهم (كظلهم) نسخة منهم وربما أفضل. ولذا يعد انتقاء المدير كقدوة شرف له بحد ذاته واعتراف من المؤسسة بقدراته ومهاراته التي تستحق أن تنقل للجيل الثاني.
كما أن برنامج الإدارة بالظل ليس مقصورا على مصاحبة المديرين، ففي جانبه الوظيفي يمكن أن يحتضن طلبة يرغبون في اكتشاف بيئة العمل المستقبلية عن قرب. فيغيرون القطاعات تلو الأخرى حتى يكتشفوا المجال الذي يجدون فيه أنفسهم وشغفهم. وقد فعلنا ذلك مع طلبة في مؤسساتنا التجارية تمخضت عن تعيين عدد منهم بعدما اكتشفنا انضباطهم العالي وهمتهم وحماسهم التي تخطت موظفين حاليين بمراحل. وهذا ما حدث بالفعل بعد تعيينهم، إذ أبهروا الجميع بجلدهم وحبهم للتعلم.
ولذا كان واجبا على كل مدير عربي أن يتذكر كم شخصا رافقه كظله لينهل من خبرته. وإن لم يجد فربما كان هو نفسه السبب في نفور الصف الثاني منه إما لأنه مثال للمسؤول الكسول أو الفارغ مهنيا وعلميا. وفاقد الشيء لا يعطيه.