خالد البري
إعلامي وكاتب مصري. تخرج في كلية الطب بجامعة القاهرة، وعمل منتجاً إعلامياً ومراسلاً سياسياً وحربياً في «بي بي سي - عربي»، وغطى لحسابها «حرب تموز» في لبنان وإسرائيل، وعمل مديراً لمكتبها في العراق. وصلت روايته «رقصة شرقية» إلى القائمة النهائية لـ«بوكر العربية».
TT

مراكز حقوق إردوغان

بعض الصحف الأوروبية تصف أوروبا بأنها فقدت أخلاقها في التعامل مع اللاجئين. هذه صحف مشغولة بالنقد الذاتي، منطلقة من الإحساس الأوروبي بأن تلك القارة هي منبع النور الأخلاقي في العالم، ومرسية قواعده. دوافع هؤلاء ومنطلقاتهم في نقد السلوك الأوروبي مفهومة بغضّ النظر عن الجدل السياسي.
لكنّ هذا يتناقض تماماً مع ترديد آلة «إخوان العثمانيين» الدعائية، من قنوات ومراكز حقوقية، نفس الكلام. ما يجعلها شبيهة بنكتة قديمة مفادها أن أميركياً قال لسوفياتي إن بلاده بلاد الحريات، وإنه يستطيع أن يقف فوق أعلى مكان في أميركا وينتقد (الرئيس الأميركي السابق) ريغان. فردَّ السوفياتي بأنَّ بلاده أيضاً بلاد الحريات، ويستطيع أن يقف فوق أعلى مكان في موسكو وينتقد ريغان.
بترديدها نفس الكلام تقر الآلة الدعائية للإسلامجية أن أوروبا من الأخلاقية بحيث يجب أن يهتز ضميرها لمنظر اللاجئين السوريين وهم يُمنعون من الدخول من اليونان. أما تركيا الإسلامية فليس عليها حرج.
القلم الأخلاقي مرفوع عنها. ما فعلته متوقع بالنسبة إلى مستواها الأخلاقي. ماذا يخبرك هذا عن نظرة الإسلامجية إلى أنفسهم؟ لو دققت لوجدت أنها لا تختلف كثيراً عن النظرة الأخلاقية للإرهابي، الذي يروّج أن قتل الآخرين من أخلاقه، فإنْ رد عليه العالم بالقوة، طالب العالم بأن يتعامل معه بـ«قيم العالم الإنسانية»، أو فوّض من الحقوقيين والإعلاميين الإسلامجية مَن يطالب له بهذا.
تركيا استخدمت هؤلاء البشر الذين لجأوا إليها ورقة ضغط. استدرجتهم إلى الحدود بينها وبين أوروبا وهي تعلم أن الطريق ستنقطع بهم. ثم عززت الإجراءات على حدودها لكي تمنعهم من العودة. أي أنها ارتكبت ثلاث جرائم وليس واحدة: الخداع، الاستغلال، ثم رفض الاستضافة. بينما لم تفعل أوروبا سوى «الجريمة» الأخيرة.
تركيا تقول إنها استضافت بالفعل عدداً من اللاجئين أكبر من طاقتها. وهي محقة في قولها. لكنها نصف الحقيقة. قضية اللاجئين من الأساس منبعها مغامرة تركية في خوض حرب توسعية عبر الحدود، من خلال عناصرها المحلية الداعمة. لو دانت السيطرة لإردوغان في سوريا كما يريد لانفرد بالمغنم، لقال أنا بابكم الأعلى، خليفة سليم الأول وحفيد عثمان. أما وقد فشلت المغامرة، فإنه يطالب الآخرين بأن يشاركوه الخسارة. حتى شركات توظيف الأموال المحتالة لم تصل إلى هذا التبجح.
إردوغان صرّح أكثر من مرة بأنه ينطلق مما سماه الإرث التاريخي للدولة العثمانية. يقصد به الإرث الاستعماري، أن أجداده غزوا بلداننا فصار لهم فيها حق. وهي نفس الفكرة التي يروجها له عناصره المحلية الداعمة في كل بلد في المنطقة تقريباً تحت دعوى الخلافة الإسلامية. لكنه لا يتذكر هذا الإرث التاريخي إلا وقت توزيع الثروة. في وقت تسديد الديون يريد من اليونان -خصمه التاريخي- أن تشاركه السداد. هل كانت اليونان ستشاركه في النفوذ داخل سوريا لو نجح؟!
في النهاية، إردوغان سياسي يستخدم أوراقه كلها، يريد أن يشتت غضب ناخبيه عن عواقب سياساته، ويوجهه إلى الأوروبيين. لكن ماذا عن «الحقوقيين»؟ اللص النذل هو الذي يسرق أهله. أكثر نذالة منه الحقوقي الذي يتاجر بـ«الإنسان» من أهله خدمةً لإردوغان. في وقت يعلم فيه الجميع تحفز الأوروبيين ضد قضية الهجرة، وهو التحفز الذي ازداد اشتعالاً مع قضية الذعر من تفشي فيروس «كورونا». الموضوع تجاوز التجاذبات السياسية، والحواجز الحدودية، إلى غضب شعبي لا نعلم كيف سيعبّر عن نفسه. المراكز الحقوقية التي افتتحها الحلف العثماني في أوروبا لخدمة أغراضه تعلم ذلك جيداً، لكن اللاجئين البسطاء لا يعلمون.
يا أصحاب المراكز الحقوقية. لا ترفعوا اللوم عن الأوروبيين إن شئتم، لكن لماذا تُعفون إردوغان منه؟! ولو من باب ذرّ الرماد في العيون. اللاجئون السوريون الذين أوهمهم إردوغان بأنه القلب المفتوح، وكبير الأمة، والآن يتاجر بهم، هم أضعف حلقة في هذه السلسلة، وهم الأحوج إلى المساعدة، والأدعى لحرصكم على سلامتهم، لا إردوغان. هل أنتم مراكز حقوق إنسان أم مراكز حقوق إردوغان؟!