أمل عبد العزيز الهزاني
أستاذة في جامعة الملك سعود في السعودية. باحثة في علوم الوراثة الجزيئية. خبيرة في الإدارة الأكاديمية. كاتبة سياسية منذ عام 2009. كاتبة مقال أسبوعي في «الشرق الأوسط».
TT

عن «كورونا»... التضليل أسوأ من الإصابة

لأن الأمر لا يحتمل المجاملات والتباطؤ، أغلقت كل دولة أبوابها تجاه القادمين من الشرق أو من البؤر الجديدة لفيروس كورونا مثل كوريا وإيران. ومن جانبها، منعت دول الخليج رعاياها من الذهاب، وسارعت دول مثل السعودية والإمارات منذ الأيام الأولى باستعادة أبنائها بطائرات خاصة، وبلا تردد، قامت إسرائيل بترحيل 1600 سائح إلى كوريا، خوفاً من مرض كورونا الجديد «كوفيد 19» (CoVID - 19). مليارات الدولارات تنفقها الحكومة الصينية في محاولة للحد من انتشار الفيروس في مناطق مختلفة، مع هذا سجلت حالات في كل المناطق تقريباً في البلاد. في بلد مثل الصين كثيف السكان واسع المساحة، ليس من السهل السيطرة على انتشار الفيروس، مع ذلك حققت الحكومة نجاحات كبيرة في محاولة تقييده، لكن حسب طبيعة الفيروسات، التي لا تعرف جغرافيا ولا حدوداً، انتشر في وقت قصير نسبياً في دول جوار الصين حتى وصل إلى إيران، واليوم ترفع دول الخليج وأوروبا حالة التأهب للوقاية منه.
هناك أسئلة تجول في أذهان العامة من غير ذوي التخصص، وسأحاول الإجابة عنها دون تفصيل. السؤال الأول حول مركز الأبحاث الذي يقال إن الفيروس تسرب منه، ولماذا يتم الاحتفاظ بفيروسات شرسة بدلاً من محاولة إعدامها! الإجابة ببساطة أن «كورونا» عائلة، وليست فرداً، منها ما كان شاغل الناس قبل بضع سنوات، وثبت أن الجِمال ناقلة له، والمسمى «متلازمة الشرق الأوسط التنفسية»، ونجحت جهود الجميع في احتوائه، ويتم العمل اليوم على إيجاد لقاح فعّال له. ومن عائلة «كورونا» ما هو خفيف يشبه في أعراضه نزلات البرد. لكن ما يهم أن يقال هنا، أن كل مراكز الأبحاث في كل دول العالم المختصة بالكائنات الدقيقة مثل الفيروسات والبكتيريا، لا تنفك تجري أبحاثها على هذه الكائنات لأغراض طبية، أو استخدامها كوسائط فيما يعرف بالهندسة الوراثية. بمعنى أوضح، يتم التعامل مع هذه الكائنات من خلال جيناتها، والتقنيات تقدمت للدرجة التي يمكن معها تغيير جينات الكائن الحي، وإعادة تفصيلها، حسب الهدف. أي أن العمل على هذه الأحياء الدقيقة التي لا تُرى بالعين المجردة من خلال جيناتها أمر معروف، وحقل للتنافس بين الدول، وهي طريقة واعدة في محاولة العلاج من الأمراض من خلال التخلص من الجينات التي تسبب المرض.
السؤال الآخر حول طبيعة الفيروس، وهل يمكن تصديق ما يقال حول توصل بعض الدول للقاح؟ الفيروس كائن دقيق، حتى المجهر العادي لا يستطيع التقاطه، لذلك تستخدم تقنيات المجهر الإلكتروني، ونظراً لطبيعته ذات الحجم الصغير، فإن قدرته على التكاثر والانتشار عالية، أضف إلى ذلك أن الفيروسات مرنة من ناحية أنها تعيد تركيب جيناتها ذاتياً، دون تدخل الإنسان، مثل الإنفلونزا الذي يحور نفسه في صراعه من أجل البقاء. أما إنتاج اللقاحات فهي على قدم وساق، والجهود حثيثة، لكن طبيعة البحث العلمي تتطلب تجربة أي لقاح أو مادة علاجية جديدة في المختبر، داخل أنبوبة الاختبار، وإن ثبت نجاحه يتم الانتقال إلى المرحلة التي تليها، وهي تجربته على الحيوان مثل الفئران، وإن نجحت التجربة يستخدم لتجربته على متطوعين من الناس، وإن أثبت فاعليته دون أضرار جانبية ذات اعتبار، فإن الموافقة الرسمية من جهات متخصصة كهيئة الغذاء والدواء الأميركية وما يقابلها من جهات في الدول المتقدمة بحثياً خطوة أخيرة إلزامية. هذا الإجراءات تستغرق وقتاً، لكن مجرد الوصول للقاح تحت الاختبار هذا بحد ذاته إنجاز كبير.
السؤال التالي هو لماذا يتعافى البعض من «كورونا» الجديدة، ويموت آخرون؟ السبب يعود إلى خط دفاع الجسم، وهو المناعة، الأصحاء والشباب لديهم مقاومة أعلى من المعتلين بأمراض تتسبب في تخفيض مستوى مناعتهم، كما أن المناعة أقل لدى المسنين.
أسرد هذه المعلومات، وقد يجدها القارئ في غير مكان، لأني لاحظت تعمداً في تضليل الناس، ليس من العلماء أو الأطباء، إنما من الحكومات. إيران مثلاً، بؤرة جديدة للفيروس، ومن خلالها انتشر إلى العراق ولبنان والكويت والبحرين، وإن كانت الإصابة أمراً سيئاً، فإن الأسوأ هو تضليل الناس من خلال إخفاء حقيقة الوضع على الأرض. قد يصاب إنسان واحد، لكن مع الجهل والتضليل قد يتحول لوباء فتاك. الفيروس ليس له مذهب، ولا يحمل جنسية، وأجندته الوحيدة هي اقتحام جسم الإنسان حتى يستطيع التكاثر والبقاء. ليس هناك ما يعيب، إلا الإهمال والتقصير، والمواقف التي نسمعها ونشاهدها من رد فعل بعض المشتبه بإصابتهم، ورفضهم للحجر الصحي، دلالة على رضا الحكومات عن هذه الجريمة. نعم جريمة، الامتناع عن دخول الحجر الصحي جريمة، وكلمة حجر تعني إلزام المشتبه بإصابتهم أو المصابين بالمكوث داخل حيز مغلق، وتتم رعايتهم طبياً داخله. رفض هذا الإجراء، أو الغضب، أو الذعر منه، لا يحصل إلا عندما تكون الحكومة ضعيفة التأثير لا تملك قرارها.
أن تكون مدينة قم أول المناطق التي ظهر فيها الفيروس في إيران، فهذا ليس أمراً معيباً، حتى يتم التكتم عليه، ويُسمح للخارجين منها بالدخول إلى العراق بدون إجراء وقائي، حتى لو كان القادم منها علي خامنئي. وفي الحقيقة الفيروس عادل في إصاباته لا يميز بين الطبقات. الإهمال الذي حصل في إيران ألحق الضرر بدول الجوار.
الأخبار من الصين تقول إن نسبة التعافي زادت بالمقارنة بنسبة الإصابة في بعض المناطق، وهذا خبر جيد، لكن الحقيقة أنه تأخر قليلاً، بحيث لم تعد الصين وحدها المشكلة. كوريا واليابان وأفغانستان وإيران والعراق ودول الخليج كلها عرضة لتفشي الفيروس، لكني أثق أن الحكومات الخليجية تملك الحكمة في اتخاذ القرار الصائب، والمقومات الكافية للتضييق عليه.
في السعودية تحديداً، نظراً لبدء موسم العمرة، فإنها تحمل مسؤولية كبيرة تجاه العالم كله، والأمر بحاجة إلى تقييم، والوصول إلى قرار مع المنظمات المعنية، حتى لو قررت السعودية إغلاق باب العمرة مؤقتاً في سبيل الصالح العام، وامتثالاً لأمر الرسول عليه الصلاة والسلام عن الوباء: «إِذَا سمعْتم به بأَرض فلا تقدَموا عليه، وإِذا وقع بأرض وأَنتم بها فلا تخرجوا فراراً منْه»، كما امتثل عمر بن الخطاب، ورجع عن الدخول إلى الشام بعدما حل بها الطاعون.