مات سينغ
TT

«العمال» البريطاني... عودة طويلة بعد هزيمة ساحقة

بعد شهرين من معاناة حزب العمال البريطاني من أسوأ نتيجة له في انتخابات عامة منذ 84 عاماً، يواصل لملمة شتات ذاته واستعادة مكانته. وفي الوقت الذي يحكم فيه المحافظون، بقيادة بوريس جونسون، بأغلبية 80 مقعداً في مجلس العموم، يتأمل حزب العمال هزيمته الكبرى، وينتخب خليفة لزعيمه الحالي جيريمي كوربن.
ونشر اللورد أشكروفت، وهو من المحافظين لكن يلقى بحثه قبولاً بصفته موضوعياً وغير منحاز لحزب، خلال الأسبوع الحالي، تقريراً عن هزيمة حزب العمال، سلط فيه الضوء على عدد من الأمور التي تسببت في هزيمة حزب العمال، ومن بينها قيادة كوربن للحزب، وتغير المواقف المفاجئ تجاه «بريكست»، لكن كانت المسألة الأوضح في التقرير عدم إصغاء الحزب.
ما الشكل الذي سيكون عليه الطريق المحتمل للعودة إلى السلطة؟ أول ما يحتاج إليه حزب العمال هو تغيير في القيادة العليا، وهو يعمل حالياً بالفعل على اختيار قيادة جديدة. المتنافسون هم: كير ستارمر وزير «بريكست» في حكومة الظل، وريبيكا لونغ - بيلي وزيرة الأعمال في حكومة الظل، وإميلي ثورنبيري وزيرة الخارجية في حكومة الظل، وليزا ناندي وزيرة الطاقة السابقة في حكومة الظل. وتجنح المنافسة إلى حد كبير نحو اليسار الذي يهيمن على الحزب. فلطالما كان الوضع كذلك مع برنامج وتوجه المرشح الأوفر حظًا ستارمر الذي تبين أنه أقل اعتدالاً مما اعتقده البعض، بينما تُعرف لونغ - بيلي بأنها المرشحة التي تمثل «امتداداً لكوربن»، وإن كان ذلك من دون ثقل تاريخي، في حين يتمحور توجه وبرنامج ناندي حول بناء جسر مع الأصوات التي تمت خسارتها، مع تركيز شديد على البلدات، ويتم النظر إلى ثورنبيري بصفتها مؤدية قوية في مجلس العموم، لكنها تجد صعوبة في الحصول على دعم كبير، بل ربما تجد صعوبة في الوصول إلى مرحلة المنافسة.
يثير كل ذلك السؤال التالي: هل تتم مناقشة الأمور الصحيحة؟ هناك مشكلة سلط تقرير أشكروفت الضوء عليها، وهي الهوة بين الكتلة الانتخابية في الانتخابات العامة وأعضاء حزب العمال الذين يختارون زعيماً، حتى مع تضاؤل هذه الهوة في ظل وجود كثير من الأعضاء الجدد قبيل عملية التصويت على اختيار قيادة جديدة.
ويبدو من الصعب بالنسبة إلى أي مرشح حتى هذه اللحظة حمل الحزب والدولة معاً، مع العلم بأنه في الوقت الذي كان فيه أعضاء حزب المحافظين الذين اختاروا بوريس جونسون خلال الصيف الماضي مجموعة صغيرة من الناخبين المحافظين، كانوا يركزون بشدة على اختيار مرشح قادر على الفوز بالمنصب. وعلى الأقل، سوف يتعين على القائد الجديد التصدي لمؤيدي كوربن داخل الحزب، مثلما فعل نيل كينوك في الثمانينات، بعد هزيمة حزب العمال الساحقة في مواجهة مارغريت ثاتشر.
ثانياً، على حزب العمال الامتناع عن التهرب من الحوارات والمحادثات الصعبة. وكثيراً ما تبدو فترة التأمل، التي دعا إليها جيريمي كوربن عند إعلانه استقالته مع إحصاء الأصوات، مثل فترة انحراف وانحدار، مع إلقاء مؤيدي كوربن باللائمة على كل شيء، وعلى الجميع، باستثناء قائدهم. ويشمل ذلك الحديث عن الحاجز الثقافي بين موضع الجزء الأكبر من حزب العمال الحالي وموضع الأصوات الكثيرة التي خسرها. ودائماً ما يكون من المريح كثيراً بالنسبة إلى اليسار القول بوجود عوامل اقتصادية تقف وراء «بريكست» ونتائج الانتخابات، لكن من الواضح أن تلك العوامل ليست هي الدوافع المحركة الأساسية لأي من الأمرين.
ومن المؤلم بالنسبة إلى حزب في هذا الوضع أن يفهم نطاق وأسباب الهزيمة في الانتخابات بالكامل، لكن ذلك أمر ضروري. لذا، إلى جانب الجدل بشأن ما ينبغي أن تعنيه الديمقراطية الاجتماعية في ظل اقتصاد ما بعد المرحلة الصناعية المعاصر، ينبغي أن تدور نقاشات أخرى بشأن إعادة التواصل مع الناخبين الذين تمت خسارة أصواتهم، والذين اختلفت آراء أكثرهم في الحزب الذي كانوا يعدونه حزبهم يوماً ما.
ثالثاً، يحتاج حزب العمال إلى التوقف عن معاداة الآخرين، ويتضمن ذلك تغيير مواقفه تجاه «بريكست»، حيث أثار ذلك استياء وضيق كل من المؤيدين والمعارضين لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي على حد سواء. ربما يكون البريطانيون منقسمين، لكنهم متفقون إلى حد كبير على بغض وكراهية سياسة حزب العمال.
ويشمل ذلك أيضاً هوس الحزب بالأمور الهامشية، وهو ما أضرّ به أكثر مما نفعه. فقد جاء بيانه الذي تضمن انتقاداً للحكومة الهندية بشأن كشمير بنتيجة عكسية، وأثار غيظ بعض الهنود المقيمين في بريطانيا، دون أن يكون له أي نتيجة إيجابية. وقد يهتم أعضاء حزب العمال بمناقشة الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، لكن مثل ذلك الأمر ليس بمحل اهتمام شعبي في المناطق الشمالية التي اتخذت موقفاً معارضاً واضحاً ضد حزب العمال في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
من المؤكد أن الطريق طويلة. فبعد عام 1983، استغرق توني بلير 14 عاماً ليعود بحزب العمال إلى السلطة. وتحديات اليوم أكبر، فاليسار المتشدد يسيطر بشكل أكبر على مؤسسات الحزب، وتدور رحى المعركة على عدة جبهات: ضد المحافظين في إنجلترا وويلز، وضد الحزب الوطني الاسكوتلندي في اسكوتلندا. كذلك تتجاوز التحديات نطاق السياسات لتصل إلى أمور وقضايا ثقافية أكثر صعوبة.
ومع ذلك، تظل هناك فرص. فربما تسير المرحلة المقبلة من «بريكست» في اتجاه خاطئ، وربما يتعثر الاقتصاد، فضلاً عن أمور أخرى؛ وعلى حزب العمال الاستعداد لاستغلال أي من تلك الأمور حال حدوثها.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»