حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

تاريخ وفيروس!

في نهاية حقبة السبعينات الميلادية من القرن الماضي، حدثت أحداث ثورية ساهمت في تفجير الخلطة المدمرة التي تحدث بين الدين والسياسة، يدفع العالم آثارها حتى اليوم. في عام 1977 وصل حزب «الليكود» إلى الحكم في إسرائيل، كأول حزب ديني صريح، ليحكم بعد سنوات من حكم حزب «العمل» اليساري العلماني. وبدأت اللغة «التوراتية» تطغى على الخطاب السياسي الإسرائيلي، وبعد ذلك في عام 1978 وصل إلى رأس الكنيسة الكاثوليكية في روما البابا يوحنا بولس، وهو من دولة (بولندا) تقع خلف أسوار الاتحاد السوفياتي الشيوعي الملحد، واستغل الفرصة الرئيس الأميركي رونالد ريغان، وعملا سوياً بخطاب ديني مسيحي وعاطفي لإيقاظ روح الدين، وكانت انطلاقة الشرارة التي أسقطت الاتحاد السوفياتي. وبعدها في عام 1979 وصل الخميني إلى الحكم بعد انقلاب على نظام الشاه في إيران، ليؤسس جمهورية إسلامية متطرفة، وفي السنة نفسها التي حصل فيها احتلال عصابة إرهابية تكفيرية، الحرم المكي، وهي السنة نفسها التي بدأت فيها معارك «الجهاد» ضد الغزو السوفياتي لأفغانستان واحتلاله لها.
دخل العالم الإسلامي بين دفتي تصدير الثورة وتصدير الدعوة، وولد هذا التنافس المجنون صوراً مؤلمة ودموية للتطرف والتشدد والإرهاب. ومن المهم التذكر أن العلاقات بين السنة والشيعة لم تكن دوماً بالسوء التي هي عليه هذه الأيام، وكذلك كانت العلاقات بين السعودية ومعظم الدول العربية مع إيران علاقات تنافس، ولم تكن علاقة عداء كما هي الحال اليوم.
إنها الخلطة المسمومة بين الدين والسياسة، التي ولدت كل التفسيرات الدينية الغيبية عن نهايات الزمان لما يحدث على الساحة، وتكون من ثم هي المفسر والمبرر لكل التطورات الغريبة؛ فكل طرف (اليهودية، والأصولية المسيحية، والإسلام بشقيه السني والشيعي) لديه المشهد الختامي بوصول الشخص المخلص في نهاية الزمان، ليحل معه العدل والخير، ويقضي على الظلم والشر وكل الأفعال الدموية، والسياسات مبررة لكل فريق طالما كانت تمهيداً لذلك المشهد الأخير.
ولكن اليوم هناك المشهد الصيني، وأزمة «كورونا» التي تتطور بشكل هائل، فخرجت عن السيطرة، فبالإضافة إلى كون الصين الاقتصاد الثاني في العالم، وأهم الدول في معدلات النمو، إلا أنها دولة ملحدة بلا دين سماوي، وبالتالي لها عقيدة شيوعية وإرث كونفشيوسي (نسبة للفيلسوف الصيني الكبير كونفشيوس).
وبمراجعة ما كتبه زيجنيو برجنسكي مستشار الأمن الوطني خلال رئاسة جيمي كارتر، وما كتبه هنري كيسنجر وزير الخارجية في حقبة الرئيس ريتشارد نيكسون، والمؤرخ الكبير صمويل هنتينغتون، نجد أن كلهم أجمعوا على أن الصين تشكل خطراً عقائدياً على أميركا لوجود فكر ونظام خلفها، وتطال الصين اليوم مجموعة هائلة من الطروحات المضحكة والضحلة للتفسير المؤامراتي لما يحصل فيها، بسبب تفشي فيروس «كورونا».
الواقع، وببساطة، هو أن الصين تظهر اقتصادياً كدولة عظمى، ولكنها في منظومتها القيمية هي دولة من العالم الثالث. هذه هي الحقيقة ببساطة. دولة ضد الحريات. ويكون اهتمامها بإبراز جوانب وإخفاء جوانب، حتى فشلت في التعامل مع هذا الفيروس القاتل بشفافية ومهنية.