مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

إنه وقور كالحمار

بعث لي الدكتور مسعد أحمد مسرور، من جامعة عدن، بالخبر التالي:
أكد القائد الميداني حسين الحميقاني لصحيفة «عدن الغد» أن المقاومة تحضر لتكريم سبعة من الحمير المشارِكة في الجبهات القتالية لمقاومة الطغمة الحوثية الانقلابية، وذلك لما قدمته من عطاء وخدمة للمرابطين في الجبهات، وكذا في تطوعها بالحرب كمدرعات، وحاملة للأسلحة المتوسطة، ونقل الذخائر، مضيفاً كذلك في استخدامها وسيلةً لنقل الجرحى والمصابين من الجبهات الوعرة إلى المستشفى الميداني والمناطق الآمنة – انتهى.
ويسأل الدكتور: لماذا هذا الحيوان المسالم تناوله كثير من الكتّاب والأدباء في أعمالهم الإبداعية؟!، وضرب الأمثال التالية لبعض العرب مع حميرهم التي اصطفوها:
توفيق الحكيم ومحمود السعدني وحمزة شحاتة، ومحمود عفيفي.
أما من غير العرب؛ فهناك حمار الكاتب الإيراني الساخر شهريار مندني، وحمار الكاتب الروسي ميخائيل زوشينكو، وهناك القصيدة الجميلة في الحمار التي نظمها الشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف... وغيرهم ممن لا يتسع المجال لذكرهم - انتهى كلام الدكتور.
من وجهة نظري؛ الحمار لعب دوراً في تاريخ الإنسان وحياته لا ينكر، ويكفي أن ذكره ورد في القرآن الكريم دلالةً على فائدته وخدمته للإنسان.
وتخيلوا لو أنه لم يكن ذلك الحيوان المطيع الصابر على وجه الأرض قديماً، فكيف كانت ستكون حياة الإنسان؟!، تماماً لو أنكم تتخيلون الآن: كيف تكون حياة الإنسان المعاصر لو اختفت السيارات والشاحنات والحرّاثات فجأة من على وجه الأرض؟!
بل إن الطرق الجبلية في الأزمان الماضية كان للحمار الفضل في تحديد مساراتها، وكانوا إذا أرادوا وصل طريق من مكان إلى مكان، فإنهم يأتون بحمار ويسيرون خلفه ذات اليمين وذات الشمال، وفي الصعود وفي الهبوط، حتى يصلوا إلى غاياتهم، وبعدها يبدأون بالتسوية والرصف.
وأصدق مثال هو الطريق الموصول من مكة المكرمة إلى الطائف عبر جبال الهدا الشاهقة، التي يزيد ارتفاعها على 2000 متر من سطح البحر... كان للحمير الدور الأول في تحديد مساره منذ ما قبل عصر الجاهلية الأول، وما زالت آثاره باقية.
وها هو الشاعر الدكتور شاكر الخوري يقول:
إذا صعد الحمار على جبال
يهندس طرقها لما يسير
فذاك مهندس الطرقات أصلاً
وما زالت تهندسها الحمير
وعلى فكرة؛ كان العرب قديماً إذا أرادوا أن يصفوا رجلاً وقوراً، فإنهم يقولون عنه: إنه وقور كالحمار.
وهذا هو ما فعلتُه أنا عندما أردت أن أمدح أحدهم فقلت له بكل براءة: إنك والله وقور كالحمار، وكاد يمدّ يده عليّ، لولا تدخل الحاضرين.