جمعة بوكليب
كاتب ليبي؛ صحافي وقاص وروائي ومترجم. نشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية والعربية منذ منتصف السبعينات. صدرت له مؤلفات عدة؛ في القصة القصيرة والمقالة، ورواية واحدة. عمل مستشاراً إعلامياً بالسفارة الليبية في لندن.
TT

أموال ليبيا المجمّدة تحت مطرقة القضاء

المثابرة والصبر والدأب، 3 سِمَات تميّز أهالي ضحايا التفجيرات، في شمال آيرلندا، خلال فترة الاضطرابات، في سعيهم للحصول على تعويضات مالية من ليبيا، عما لحق بهم من أضرار، نتيجة عمليات قام بها أفراد الجيش الجمهوري (آي آر إيه)، مستخدمين متفجرات سيمتكيس، زودهم بها نظام العقيد القذافي.
الذين تابعوا القضية، منذ بداياتها، يعرفون، أولاً، أن هذه المطالب لم تكن مطروحة ضمن بنود المفاوضات التي عقدت في عام 2003 بين ليبيا من جهة والولايات المتحدة والمملكة المتحدة من جهة أخرى؛ بهدف إخراج ليبيا من عزلتها المفروضة عليها دولياً، لقاء قيامها بتفكيك وتسليم أجهزة برنامج أسلحة الدمار الشامل، وتعويض ضحايا لوكيربي. ويعرفون، ثانياً، أن طفو هذه المطالب على السطح، مجدداً، منذ عام 2011، لا يكتسب شرعية قانونية، وتم بدافع الطمع في الحصول على نسبة من أموال ليبيا المجمّدة في المصارف البريطانية بقرار أممي في عام 2011.
قبل سقوط نظام العقيد القذافي، تولى المجلس الانتقالي مقاليد الأمور في مدينة بنغازي المحررة تحت قيادة المستشار مصطفى عبد الجليل. وفي خضم فوضى تلك الفترة، قام محامو أهالي الضحايا في شمال آيرلندا، وبريطانيا، بزيارة إلى مدينة بنغازي، والتقوا بالسيد عبد الجليل، وأقنعوه بالموافقة على بيان مكتوب، يؤكد حق أهالي الضحايا في التعويض، واستجاب السيد عبد الجليل لمطلبهم، ووقّع على ذلك البيان.
قبل الانتفاضة بسنوات، دأب أهالي الضحايا على إثارة القضية، مطالبين بمساواتهم بأهالي الضحايا الأميركيين، المتضررين في عمليات الجيش الجمهوري الآيرلندي في بريطانيا، بعد موافقة نظام العقيد القذافي، تكملة لاتفاق تعويضات لوكيربي، بدفع مبلغ مليار دولار، بشرط تعهد إدارة الرئيس جورج بوش الابن، بصياغة قانون يمنع رفع أي قضية تعويض ضد ليبيا في المحاكم الأميركية. كان توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق وراء هذا الاتفاق.
التعويضات الليبية لأهالي الضحايا الأميركيين فتحت الأبواب أمام أهالي الضحايا البريطانيين للمطالبة بالتعويض أسوة بهم. وقام محاموهم بمحاولة لرفع دعوى أمام المحاكم الأميركية بهذا الشأن لكنها تعرضت للرفض؛ ما أثار غضبهم واتهموا الحكومة البريطانية بخذلانهم بالتغاضي عن الدفاع عن حقوقهم، خلال المفاوضات، مع نظام القذافي مقابل عقد صفقات تجارية كبيرة. الحكومة البريطانية نفت هذه الدعاوى، موضحة أن ملف التعويضات الليبية قد أقفل بالكامل، ولا مجال لإعادة فتحه من جديد.
ونتيجة لضغوط من أهالي الضحايا البريطانيين على ممثليهم البرلمانيين في مجلسي النواب واللوردات، قامت مجموعة من اللوردات من شمال آيرلندا، بإثارة موضوع التعويضات من جديد، عبر مكاتب السفارة الليبية في لندن.
لكن السيد عبد العاطي العبيدي، الذي تولى، آنذاك، ملف التعويضات، عن الجانب الليبي رفض رفضاً قاطعاً، مناقشة التعويضات. وهذا بدوره قاد اللورد إلى إعادة المناورة بمبادرة تهدف إلى تشجيع ليبيا على استثمار جزء من أموالها في مشروعات بشمال آيرلندا، تعود بالنفع على البلدين. وقدم دراسة لمشروعات استثمارية عدة. ورحب نظام العقيد القذافي بالفكرة، ووعد بدراستها.
في عام 2016 استدعت لجنة شمال آيرلندا البرلمانية وزير الخارجية الأسبق جاك سترو للمثول أمامها لاستجوابه حول ملابسات الاتفاق بين طرابلس ولندن وواشنطن.
وفي شهادته، أكد سترو أن الأساس الذي قام عليه الاتفاق هو موافقة ليبيا على تفكيك وتسليم أجهزة برنامج أسلحة الدمار الشامل، وأن مطلب التعويض للضحايا البريطانيين لم يوضع جانباً خلال المفاوضات، كما يزعم أهالي الضحايا؛ لأنه، أصلاً، لم يكن وارداً في أذهان المتفاوضين. وكان التركيز بالكامل على مسألة برنامج أسلحة الدمار الشامل. وأوضح أنه من غير الإنصاف إثارة موضوع التعويضات في وقت لا وجود فيه لمؤسسات دولة في ليبيا؛ لأن البلاد داخلة في حرب أهلية.
في عام 2017 قام اللورد إيمبي من حزب آلستر الاتحادي بشمال آيرلندا، بمشاركة مع نائبين من حزبي المحافظين والعمال، بتقديم مشروع قانون خاص يهدف إلى تعويض أهالي الضحايا البريطانيين بنسبة من أصول الأموال الليبية المجمدة في بريطانيا، والبالغ قيمتها التقديرية 12 مليار جنيه إسترليني. من جهتها، اعترضت الحكومة البريطانية على مشروع القانون، وطالبت بسحبه من النقاش في البرلمان، موضحة أن بريطانيا ليس من حقها التصرف في أموال مجمدة بمصارفها بقرار دولي. وأن التعرض للأموال سوف يسيء إلى سمعة بريطانيا وإلى مؤسساتها المالية بشكل عام، والمصرفية بشكل خاص.
خلال الأيام الماضية، تحدثت تقارير إعلامية، حول قيام شخصين من أهالي الضحايا البريطانيين برفع دعوى أمام محكمة عليا ضد الحكومة الليبية، في مدينة بلفاست، بشمال آيرلندا.
هذه المرّة الأولى التي يلجأ فيها بعض من أهالي الضحايا إلى رفع دعوى قضائية أمام محكمة عليا في شمال آيرلندا في هذه القضية. الدعوى المرفوعة ضد ليبيا، قد تطال، أيضاً، في مرحلة متقدمة وزارة الشؤون الخارجية البريطانية بزعم فشلها في الحصول على تعويضات لأهالي الضحايا البريطانيين مقارنة بتمكن أهالي ضحايا أعمال إرهابية من فرنسا، وأميركا وألمانيا من الحصول على تعويضات من ليبيا، بمساعدة من حكوماتهم.