سوسن الشاعر
إعلامية بحرينية تكتب في بعض الصحف البحرينية منها «الوطن» و«بوابة العين الإخبارية». عضو في مجلس أمناء «جائزة الصحافة العربية». كانت مقدمة لبعض البرامج التليفزيونية. خريجة جامعة بيروت العربية.
TT

استراتيجية جديدة للتعامل مع الغرب الليبرالي

في سبيل هزيمة الرئيس دونالد ترمب أي شيء وارد، حتى لو تهدّد أمن الولايات المتحدة.. هكذا يفكر الليبراليون الأميركيون، وأعتقد أننا بحاجة لرسم سياسة خارجية مكثفة ومركزة في الأيام المقبلة نتحرك بها كدول تحالف رباعي تجاه الداخل الأميركي، لنهيئ أنفسنا للمرحلة المقبلة، سواء نجح ترمب أو فشل في ولايته الثانية، ففي كلتا الحالتين لا بد أن نضع السيناريوهات التي تضمن لنا وجود شبكات تحالف جديدة تعمل لمصالحنا وتساعدنا على فتح خطوط اتصال مع مَن نختلف معهم من الأحزاب، لإطلاعهم على حقيقة الأمر في منطقتنا، خاصة هؤلاء الذين لا يعرفون واقعنا من اليسار ومن الليبراليين، ورغم ذلك يرسمون ويحددون لنا مصائرنا.
نحتاج إلى أن نضع رؤية واستراتيجية جديدة للتواصل معهم، ووضعهم في صورة واقعية، لا أن ننتظر مؤملين فوز ترمب فقط أو فوز جونسون فقط من التيار الآخر على أنه هو الحل، رغم أن المؤشرات إلى الآن تدل على فوز ترمب، وهذا ما نأمله ولكن... مَن يدري ما تحمله الأيام المقبلة، ونحن نرى تسارع الأحداث ومع شخص مثل الرئيس ترمب هي خارج التوقعات؟! إذ فقد الليبراليون الأميركيون واليسار بوصلتهم تماماً، لا فيما يتعلق بمصالحهم المشتركة معنا، بل فقدوها حتى حين يتعلق الأمر بأمن دولهم، وهم يستميتون من أجل عزل ترمب، كهدف بحد ذاته، وها هي رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي استطاعت أن تقيد ترمب من خلال الكونغرس، بالحد من صلاحياته في سياسته تجاه إيران، متجاهلين تماماً الخطر الذي من الممكن أن يسببه مثل هذا القرار، لا على أمن المنطقة فحسب، بل متجاهلين أثره حتى على سلامة الجنود الأميركيين وأمنهم.
العالم كله، من شرقه لغربه، بدأ يدرك خطأه في التساهل والتهاون في تقدير الخطر الإيراني، تلك السياسة التي قلَّلت من خطر إيران على السلم الدولي، وتركتها تتمدد وتسلح الميليشيات الإرهابية وتشجع على إذكاء الصراعات التي أدت لسقوط العديد من الأنظمة العربية، وهو بدوره ما شجع الرئيس التركي على تجاوز حدوده، وإرسال قواته خارج حدود دولته، هذه الفوضى ما كانت لتحدث لولا أن الغرب الليبرالي واليسار الاشتراكي الغربي غارق في أوهامه، معتقداً أن العالم كله بكل تلوناته الجيوسياسية يصلح لأن يكون حقلاً لتجاربهم الساذجة، وأن ما صلح لأوروبا أو كندا أو أميركا من الممكن أن يصلح للشرق الأوسط، وأن عالم ما بعد «الدولة» الذي تحكمه المؤسسات، والذي يؤيد نظرياته هذا التيار الليبرالي ويراه ناجحاً في دولهم، من الممكن أن يُطبّق في دولنا العربية، متناسياً أن المؤسسات والمنظومة التي أدارت الغرب حين تقلص دور الدولة لم تبن بعدُ، ولم توجد من الأصل في عالمنا العربي، وأن الدولة العربية بمنظومتها المؤسساتية ما زالت بمراحل نموها وتطورها في عالمنا العربي، ولم تكتمل، بل هي بالكاد تتلمس طريقها للنمو، وسقوط الأنظمة في هذه المرحلة يعني الدمار الشامل لهذه الشعوب، وهذا ما حدث في العراق وليبيا وسوريا، وفتح باباً لجهنم خرج منها الإرهاب لبقية العالم.
لم يكفهم هذا الدمار، بل إن تساهلهم مع الإرهاب الإيراني باعتبار أن النظام الإيراني هو الأكثر اعتدالاً في المنطقة، وذلك من وجهة نظرهم الساذجة، هو ما شجع هذا النظام على تدميرها، وها هم يجنون ثمار تلك السياسة التي تركت الحبل لإيران على الغارب.
الجيد في هذا الأمر أن الغرب ليس كله متفقاً مع هذا التيار، إذ بدأ يواجَه من قبل تيار آخر يطلقون عليه التيار الشعبوي، لكنهم يعرفون أنفسهم بأنهم «التيار الوطني» الذي يعزز دور الدولة، ومنهم «البنتاغون» والعسكريون عموماً، الذين يعرفون منطقتنا.. هذا التيار رغم أنه يعمل للصالح الأميركي والغربي، فإنه أكثر واقعية معنا، ويرى حقيقة الأمر في منطقتنا بالمنظور ذاته الذي نراه، ويدرك أن هذا التفكير الليبرالي الساذج له أثره المدمر حتى على المصالح الغربية وعلى السلام والأمن الدوليين.
نحن بحاجة للتواصل مع الليبراليين المختلفين معنا، لا مع الحكومات والإدارات فقط التي تتفق معنا لتعزيز مصالحنا المشتركة، مما يستدعي وضع خطة دبلوماسية جديدة نتحرك بها بشكل جماعي.
ولسنا وحدنا؛ فالشعوب التي ذاقت الويل من سياسة هذا التيار هي التي لا بد أن تجد لها طريقاً للرأي العام الغربي. نحن نتحدث عن العراقيين والليبيين واليمنيين والسوريين واللبنانيين الذين اكتووا بنيران الإرهاب الإيراني المشجع من قبل ذلك التيار. العرب والإيرانيون الذين أسعدهم خبر مقتل قاسم سليماني، ولم يسمعهم أحد، ولم يعرهم أحد أي اهتمام، هذه الصورة وهذا الواقع لا بد أن يراه المراقبون والإعلاميون وبيوتات الاستشارة الغربية، وحتى المؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي. لا بد من الوصول إلى الرأي العام، لا صُنّاع القرار فقط.