أصبحت «الصدفة» عاملاً مشتركاً في العثور على كثير من القطع الأثرية الفرعونية في مصر، فما إن يبدأ الحفر في باطن الأرض المصرية، التي ما زالت تخفي كثيرا من أسرارها، لتنفيذ مشروعات سكنية أو بنية تحتية على غرار الصرف الصحي، حتى يعلق معول الحفر في حجر أو كتلة تحوي نقوشا أثرية، لتبدأ بعثات الإنقاذ حفائرها في الموقع، معلنة اكتشاف معابد وشواهد أثرية، كان آخرها أمس، عندما عثرت بعثة الإنقاذ الأثرية بقرية كوم أشقاو في مركز طما بمحافظة سوهاج (جنوب مصر) على كتل حجرية كانت جزءاً من مقصورة للمعبودة أوزوريس في عهد الملك بطليموس الأول، وهو كشف لم يكن من الممكن أن يتم لولا بدء الحكومة المصرية في تنفيذ مشروع للصرف الصحي بالقرية، أدى إلى العثور من قبل على بقايا معبد الملك بطليموس الرابع، لتستمر الحفائر أملاً في كشف أسرار هذه المنطقة.
وقال الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، في بيان صحافي أمس، إن «بعثة الإنقاذ الأثرية عثرت على 5 كتل من الحجر الجيري مختلفة الأحجام، تبين بعد الفحص الأولي للنقوش الموجودة عليها أنها جزء من مقصورة للمعبودة أوزوريس ترجع إلى عصر الملك بطليموس الأول، حيث عثر بين النقوش على عدد من الألقاب من بينها ابن الشمس (بطلميوس)، ملك الوجهين القبلي والبحري (ستب - إن - رع مري - آمون)»، مشيرا إلى أنه «تم نقل الكتل الحجرية إلى معبد بطليموس الرابع الذي اكتشف مؤخراً بمنطقة السوق القديمة بالقرية نفسها أثناء تنفيذ مشروع للصرف الصحي».
ويرى خبراء الآثار أنّ الأرض المصرية تذخر بمئات الكنوز الأثرية التي لم يعلن عن اكتشافها بعد، من بينهم الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة لإسكندرية، والذي يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «نسبة كبيرة جداً من الآثار المصرية لا تزال مدفونة في باطن الأرض، ومن الطبيعي العثور على قطع أثرية في كل مكان خاصة في المدن الكبرى التي كانت مركزاً للحكم في العصور القديمة ومن بينها سوهاج».
وكانت وزارة السياحة والآثار المصرية قد بدأت حفائر إنقاذ في القرية في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، بعد العثور على أجزاء من سور أثري أثناء تنفيذ مشروع للصرف الصحي، اتضح فيما بعد أنه يخص معبدا للملك بطليموس الرابع، حيث وجد على جدران المعبد نقوش للمعبود حابي يحمل القرابين برفقته كثير من الحيوانات والطيور المختلفة، وبقايا نصوص تحتوي على اسم الملك بطليموس الرابع.
ووفق عبد البصير فإن «العثور على آثار من عهدي الملك بطليموس الأول، مؤسس الدولة البطلمية، وبطليموس الرابع في المنطقة نفسها يدل على أنها كانت منطقة مؤثرة خلال فترة تاريخية طويلة»، مشيراً إلى أن الفترة من بطليموس الأول وحتى بطليموس الرابع تعرف بفترة البطالمة الأقوياء، حيث كانت الدولة غنية وقوية، قبل ضعف الدولة البطلمية في الفترة من بطليموس الخامس، وحتى كليوباترا السابعة».
ولكثرة الاكتشافات الأثرية عن طريق الصدفة بأرجاء مصر، بات الأمر طبيعياً وفق الخبراء، ففي يوم الاثنين الماضي، أعلنت السلطات المصرية اكتشاف كتل حجرية تم العثور عليها أثناء أعمال مشروع للصرف الصحي في قرية دنديط مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية (دلتا مصر) ما دفع لجنة أثرية إلى معاينة تلك القطع ودراسة الموقع.
وفي شهر يوليو (تموز) من عام 2018 تم اكتشاف تابوت من الجرانيت الأسود يزن أطناناً عدة، صدفة، أسفل عقار في شارع الكرملي بمنطقة سيدي جابر بالإسكندرية، وذلك أثناء الحفر لوضع أساس عقار، ورغم عدم العثور على قطع ثمينة به كما كان يتوقع البعض، فإنه اكتسب زخماً إعلامياً كبيراً وقتئذ بسبب اهتمام المصريين بمعرفة ما بداخله. وفي الشهر نفسه، أيضاً بعام 2018 كشفت الصدفة بقرية السلاموني، دائرة مركز أخميم بمحافظة سوهاج (جنوب مصر) عن حجر أثرى أثناء القيام بأعمال الحفر بمشروع الصرف الصحي بالقرية، حيث أكدت معاينة هيئة الآثار أن الحجر يرجع تاريخه للعصر الروماني.
ويؤكد عبد البصير أن «البطالمة أسسوا ثلاث مدن رئيسية في الإسكندرية وفي الفيوم، وفي سوهاج، حيث حاولوا السيطرة على مصر بشكل كامل وعمل امتداد لهم في الصعيد من خلال مدينة أطلقوا عليها اسم بطلمية في سوهاج لأنهم أدركوا أهمية هذا الجزء من مصر».
وعن الكشف الجديد الذي تم الإعلان عنه في سوهاج أمس أوضح محمد عبد البديع، رئيس الإدارة المركزية لآثار مصر العليا بوزارة السياحة والآثار، أن «جميع الكتل الحجرية المكتشفة مستطيلة الشكل ما عدا كتلة واحدة غير منتظمة الشكل، وظهر بالكتلة الحجرية الأولى وحدات زخرفية تمثل واجهة القصر، ربما كانت تمثل الإفريز الزخرفي السفلي، أما الكتلة الثانية فنقش عليها منظران، الأول على اليمين ويمثل الملك بطليموس مقدماً الملابس إلى المعبود أوزيريس الجالس على العرش، والثاني على اليسار يمثل الملك بطليموس مقدماً نوعا آخر من الملابس للمعبود أوزيريس الجالس على العرش».
«اكتشافات الصدفة» الأثرية في مصر تقود الباحثين لكنوز مهمة
العثور على قطع فرعونية بمشروعات صرف وبناء
«اكتشافات الصدفة» الأثرية في مصر تقود الباحثين لكنوز مهمة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة