بوبي غوش
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»
TT

تصفية قاسم سليماني... حدث متوقع لتهوره المتفاقم

كان واضحاً أن قاسم سليماني لن يموت أبداً ميتة طبيعية على فراشه، فباعتباره قائد «فيلق القدس» التابع لـ«الحرس الثوري» الإيراني، والعقل المدبر المتحكم في ميليشيات وجماعات إرهابية عبر الشرق الأوسط، فإنه يحمل في يديه دماء مئات الآلاف من السوريين والعراقيين واليمنيين واللبنانيين والفلسطينيين والإسرائيليين والأميركيين وإيرانيين من أبناء وطنه، بجانب آخرين. وكان موته حدثاً يأمله ويبتهل من أجل حدوثه أفراد عائلات ضحاياه، وتخطط له حكوماتهم.
وعليه، فقد كان من علامات جرأة سليماني أنه رغم ذلك كان يتهادى حول بغداد في رفقة عدد من السفاحين الآخرين المطلوبين لدى العدالة والذين لو كنا في عصر آخر كانت وجوههم لتزين ملصقات المطلوبين لدى الشرطة على الجدران. وكان هذا الظهور العلني له تصرفاً بالغ الرعونة منه، خاصة أنه يأتي في غضون أيام من اقترافه المهمة الأكثر وقاحة في تاريخه: الهجوم الذي شنه عملاؤه العراقيون عشية العام الجديد ضد السفارة الأميركية في بغداد.
وبالتالي، فإن مقتل سليماني في قصف بطائرة «درون» جاء بمثابة نقطة الذروة المتوقعة لتهوره المتفاقم على مر السنوات. أما أكبر خدامه المحليين، أبو مهدي المهندس، فجاء موته مع سيده أمراً مناسباً تماماً، ذلك أنه كان أداة مهمة في تنفيذ قرار سليماني بتصعيد الهجمات الصاروخية ضد قواعد أميركية في العراق، ما أسفر عن الحادث الذي أشعل الفوضى التي شهدها الأسبوع الماضي: مقتل مقاول أميركي داخل قاعدة قرب مدينة كركوك بشمال العراق.
وقد رافق هذا التصعيد في الأفعال تصعيداً مشابهاً في حرب الكلمات التي يشنها قائد سليماني، المرشد علي خامنئي الذي عمد إلى استفزاز الرئيس الأميركي دونالد ترمب على النحو الأكثر ضماناً للنجاح: عبر السخرية منه عبر «تويتر»، وذلك بإطلاقه تغريدة قال فيها «لا يمكنك فعل أي شيء»، وذلك بعدما ألقى ترمب باللوم على إيران عن حادث الهجوم على السفارة.
ويبدو أن حسابات خامنئي وسليماني اعتمدت على فكرة أن ترمب سيستجيب لاستفزازاتهما على ذات النحو الذي أبدته إزاء الهجمات الصفيقة ضد منشآت شحن وتكرير النفط في كل من السعودية والإمارات. وربما ظنا أنه لا يمكن أن يقدم ترمب على مخاطرة إشعال حرب، أو أزمة كبرى تدفع أسعار النفط نحو ارتفاع بالغ، بينما يخوض عاماً انتخابياً. أو ربما ظنا أنه ببساطة لا يملك الشجاعة للدخول في مواجهة.
وبغض النظر عن المنطق الذي اعتمدا عليه، كان خوضهما لعبة تحدٍ أمام الرئيس الأميركي خطأ فادحاً. وعلى النقيض من رسالة التهكم التي أطلقها خامنئي عبر «تويتر»، كان باستطاعة ترمب فعل الكثير من الأمور ضد إيران، والتي تتراوح ما بين تشديد العقوبات الاقتصادية على البلاد والتي كبدت إيران ثمناً باهظاً، إلى توجيه ضربات ضد عملاء طهران، مثلما حدث في هجوم الأحد ضد جماعة «كتائب حزب الله» التي كان يقودها أبو مهدي المهندس. ومع هذا، ربما كانت تلك نتائج مستساغة من وجهة نظر خامنئي: فعلى أي حال، فإن رجلاً أصدر منذ أسابيع قليلة أوامره بذبح المئات من الإيرانيين من غير المحتمل أن يجفل إزاء فكرة إلحاق مزيد من الألم بعملائه. إلا أن خامنئي أخفق في تقدير مدى رد ترمب هو الآخر، فبدلاً من أن يكتفي بتشديد العقوبات، اختار الرئيس الأميركي إصدار الأوامر بشن هجوم بطائرات «درون» كتبت سطر النهاية في حياة ومسيرة واحد من أخطر القيادات العسكرية الإيرانية وأبرزهم.
والآن؟ في الواقع، دورة التهور التي أطلقها المرشد الإيراني لا تترك له خياراً سوى الاستمرار في التصعيد. إلا أنه أصبح لزاماً عليه اليوم المضي قدماً من دون أكثر أدواته الإرهابية فعالية، قائد لطالما كان متميزاً لطاعته العمياء وشرهه الذي لا ينطفئ تجاه العنف. وبالتأكيد سيفتقد خامنئي هذه السمات في خضم الفوضى التي أطلق لها العنان.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»