إميل أمين
كاتب مصري
TT

هل تضحى تونس منصة حرب؟

من غير مداراة أو مواراة بات السؤال على الألسنة شرق أوسطياً منذ الأربعاء الماضي وغداة الزيارة غير المعلنة، التي دارات فعالياتها في الخفاء، إلا من مؤتمر صحافي لذر الرماد في العيون، والتي قام بها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى بلاد الزيتون؛ «هل باتت تونس منصة حرب في المواجهة مع ليبيا»؟
مؤكد أن «السلطان» الحائر لم يذهب إلى تونس للتباحث حول التعاون المشترك بين تركيا في أقصى الشرق وتونس في جهة الغرب، وبالقدر نفسه لم تكن مسألة الترويج للزيتون التونسي، أو بناء مستشفيات للأطفال هناك، هي الغرض من الزيارة التي اصطحب فيها الرئيس التركي وزير دفاعه ورجل استخباراته الأول.
والشاهد أن من لديه القليل من علوم الاستراتيجية يدرك أن إردوغان قد وجد في النظام التونسي حصان طروادة القادر أن ينفذ من خلاله إلى ليبيا، ولا سيما أنه يوماً تلو الآخر يتبين جلياً أن ملامح البساطة والمسكنة التي استقطبت غالبية الشعب التونسي الذي تعاطف مع شخص المرشح باعتباره مستقلاً، لم تكن إلا ردءاً مصطنعاً استخدمته كافة فرق «الإخوان المسلمين» منذ بدايات الزمن المشؤوم الذي أطلق عليه الربيع العربي.
ما الذي يستدعي قيام إردوغان بهذه الزيارة ليكون أول رئيس دولة أجنبية يزور تونس في عهد إدارتها الجديدة، إن لم يكن التماهي الدوغمائي والتساوق الآيديولوجي معاً، كما أن موجات الإرسال التركية تكاد تضبط على مؤشرات الاستقبال التونسية، لإعادة إنتاج الظلام في شمال شرقي أفريقيا وعلى ضفاف المتوسط هذه المرة، ولا سيما بعد أن فشل مشروع الخلافة المكذوبة في العراق وسوريا؟
باختصار غير مخل يسعى إردوغان لأن يجعل من تونس خلفية وقاعدة لوجستية، وممراً وربما مستقراً لـ«الدواعش» الجدد، ومنها إلى طرابلس التي بات «الإخوان» و«الدواعش» يتحكمون في مصائر أهلها وأقدارهم. أكثر من فضح نوايا إردوغان على الأراضي التونسية نهار الخميس كان وزير داخلية حكومة الوفاق فتحي باشاغا، الذي عقد مؤتمراً صحافياً خصص لتوضيح مجريات الأحداث في ليبيا، شدد فيه على أنه سيكون هناك تعاون كبير مع تركيا وتونس والجزائر، وأن ثلاثتهم سيكونون في حلف واحد، الأمر الذي سيخدم شعوبهم والاستقرار الأمني في بلدانهم، على حد قوله، ومؤكداً أن ليبيا ستطلب دعماً تركياً عسكرياً.
حديث باشاغا يأتي موافقاً طولاً وعرضاً، جملة وتفصيلاً مع تصريحات إردوغان في وقت سابق بأنه يتوقع حصول حكومته على تفويض من البرلمان التركي في الفترة من 8 إلى 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، أي خلال أسبوعين تقريباً، من أجل إرسال جنود إلى ليبيا لدعم حكومة الوفاق.
هل أخطأت تونس باستقبالها المبشر بالعثمانية الثانية، ولهذا حاولت أن تنفي عنها أي تورط في الصراع الليبي، الذي بات مفتوحاً على سيناريوهات عدة، ويكاد يمثل محفزاً لحرب إقليمية كبرى ستكون بلا شك إيذاناً بنهاية مرحلة الإردوغانية؟
يكاد المرء يلحظ في التصريحات الأخيرة التي صدرت من تونس، نفس النهج الذي يبرع فيه «الإخوان المسلمون» منذ زمان وزمانين، ذلك أنها تشير من جهة إلى أن تونس متمسكة بحيادها في الملف الليبي، وتشيع أنها على مسافة من مختلف الأطراف، إلا أنه في الوقت ذاته تقطع بالدعم السياسي لحكومة السراج، باعتبار الأمر يندرج في أطر الشرعية الدولية، وفات عليها أن العام الخاص بالوفاق قد انقضى، وأن القائمين في طرابلس ليسوا سوى مرتزقة ومأجورين، و«دواعش» و«قاعدة»، وإرهابيين ما أنزل الله بهم من سلطان.
وبنفس العقلية الازدواجية الثنائية التي تربك الناظر والمتابع، وتتيح الفرصة لإتمام الصفقات السوداء من وراء الستار، تنفي ما ورد على لسان وزير داخلية الوفاق في تونس، ما يدعو للتساؤل هل الوزير على هذه الدرجة من الغفلة بأن يصرح بكلام يورط دولة مستقلة، أم أن الدور المسرحي المرسوم له يقتضي ذلك ولاحقاً يأتي النفي؟
الأيادي التركية السوداء، في سوريا وشمال العراق تريد أن تتمدد داخل ليبيا ومنها إلى العمق الأفريقي... هل من يشك في هوس إردوغان بعثمانية ثانية؟
مهما يكن من أمر الجواب، فإن تونس بين عشية وضحاها قد تحولت إلى رقم صعب في معادلة شمال غربي أفريقيا، وحتى نكون موضوعيين فإننا نشير إلى الحكومة التونسية الحالية، كي نفرق بينها وبين أصوات عروبية تونسية نبيلة خرجت رافضة هذا التوجه «الإخواني» الأخير، ويكفي المرء النظر إلى تصريحات حزب الوفاق التونسي، وحركة الشعب، وحزب العمال، والحزب الدستوري، واتحاد الشغل، ومطالبة الجميع بجلسة طارئة في مجلس نواب الشعب التونسي لمساءلة الحكومة عن «هذه الزيارة المريبة» وأبعادها وآفاقها، وعلى لسان الجميع رفض قاطع لأن تتحول تونس الخضراء رمز السلام والوئام وموقع وموضع التنوير العروبي إلى خنجر في الخاصرة العربية لا سمح الله.
الرافضون لزيارة إردوغان لتونس يشددون على حتمية استمرارها كحمامة سلام، ويرون أنه إن كان على تونس أن تقوم بدور بعينه في الأزمة الليبية، فإنه من الواجب دعوة المشير خليفة حفتر وفائز السراج، ورؤساء مصر واليونان وقبرص معاً في تونس لإيجاد حل جامع مانع يقي أبناء المتوسط شر الفتنة.
تونس في اختبار صعب، وليبيا في مواجهة احتمالات كارثية، ولا سيما أن إردوغان قد نسي أو تناسى محددات ومعايير الدولة العظمى القادرة على فتح أكثر من جبهة حول العالم، ما لن يسمح به الكبار في الحال أو الاستقبال.
الكراهية لا تفيد... وعلى صخرة المؤامرة سوف تتحطم سفن أنقرة.