علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

الحالة الألمانية

منذ زمن بعيد، وحينما كنت أدرس في الإعدادية، لم يكن لدينا كيافعين وسائل اتصال اجتماعية، كما هي الحال الآن، ولم يكن في المنزل سوى جهاز تلفزيون واحد، وهو الآخر كان يغلق مبكراً، أي البث كان يتوقف.
لذلك كان جيلي مستمعاً جيداً للإذاعة، وفي ذات ليلة كنت أستمع لبرنامج في الإذاعة السعودية، نسيت اسمه، لكن مضمونه استضافة أحد البارزين للتحدث عن حياته، وكان ضيف الحلقة طبيباً سعودياً لا أذكر اسمه هو الآخر، فكان يتحدث عن سيرته، حتى وصل إلى أنه ابتُعث لألمانيا بعد أن أنهى دراسة البكالوريوس في الطب في السعودية، وأترككم مع القصة كما رواها يقول: - كنا ندرس الماجستير في ألمانيا، ونطبق أياماً معينة في الأسبوع بمستشفى الجامعة، وكنت وفريق تحت إشراف برفسور ألماني رائع ومحب لمهنته، وفي ذات يوم قال لي ولزملائي: لدينا حالة تحيرنا بها، وقد قررنا أن نعقد لها مؤتمراً نناقش فيه الحالة مع كبار الأطباء في المستشفى، وكان البروفسور حريصاً على حضوري، وقد ذكرني أكثر من مرة، وهو لا يعلم أنني أكثر منه حرصاً، وقد كان البرفسور هو المشرف على الحالة، وبالفعل حضرت المؤتمر، وجيء بالحالة، وبدأ الشرح، وكان كبار الأطباء متحيرين في الحالة.
في اليوم التالي ذهبت مع مشرفي لمعاينة الحالة سريرياً، وبعد الفحص الدقيق قلت لمشرفي: أعتقد أنه يمكنني معالجة الحالة، وجم المشرف برهة، ثم قال: لا بأس، سأترك لك الحالة على ألا تكتب لها علاجاً حتى أوافق عليه، اتفقنا على ذلك، وباشرت الحالة، وبمزيد من الفحص اقتنعت أن مرض الحالة هو الملاريا، أخبرت المشرف بذلك، وعاد وسأل المريض: زرت أماكن حارة؟ أجابه المريض: نعم، كنت في أفريقيا، عند ذلك أذن البرفسور بصرف العلاج، وفعلاً في غضون ثلاثة أيام شفي المريض، وغادر المستشفى.
ويردف الطبيب السعودي: كانت أعراض الملاريا تتشابه مع مرض ينتشر في المناطق الباردة، لذلك كان التشخيص خاطئاً، والدواء بالتبعية خاطئاً.
سأل المذيع، ضيفه، كيف استطعت أن تشخص المرض؟ أجابه الطبيب السعودي: كنت قد أمضيت سنة الامتياز في جازان، وكان ينتشر مرض الملاريا، وكنت أساعد في علاج عدد من الحالات يومياً، لذلك كان تشخيص المرض هيناً عليّ.
تداعت لي هذه القصة بعد تميزنا في فصل التوأم السيامي، وبعد أن أصبحت سمة الدخول إلى بلادنا سهلة، فلماذا لا نركز على الاستثمار في الجانب الطبي، ونبني مدناً طبية حديثة ومجهزة، ونكون مقصداً للمرضى في إقليمنا، بدلاً من أن يذهب مرضى العرب لكل أنحاء العالم، وبعضهم يستشفون في الهند وتايلاند وغيرها.
أظن أننا قادرون مادياً على فعل ذلك، والقطاع الطبي من أكبر القطاعات توليداً للوظائف، وأعتقد أننا بقليل من التركيز والتخطيط يمكننا عمل ذلك، لا سيما والأطباء العرب يعملون في معظم مستشفيات العالم، أي أنه لا تنقصنا الكفاءات.