شرب الاتحاد الأوروبي نخباً الأربعاء الماضي احتفالاً بجهوده الطموحة التي تعد الأضخم في العالم لتحسين التغير المناخي. فقد كشفت أورسولا فون دير لين، رئيسة المفوضية الأوروبية، عن هدفها من تقليص انبعاثات الكربون في أوروبا وجعلها محايدة بحلول عام 2050. وبالفعل نحن نحتاج إلى رؤى بهذا الحجم لإنقاذ كوكبنا.
لكن دعنا نحتفل بالنخب الثاني لشهر مارس (آذار) عندما تبدأ تفاصيل التشريعات التي ستمس كل جانب من جوانب الاقتصاد والمجتمع الأوروبي تتجلى أمامنا في نهاية المطاف.
بالنسبة للتحدي، فهو ليس فقط الحد من الاحتباس الحراري، ولكن أيضاً مواءمة تدخل الدولة الهائل مع اقتصاد السوق في الاتحاد الأوروبي لضمان بقاء الإنسان وضمان رخائه. لا يجب أن ينزلق الاتحاد الأوروبي عن طريق الخطأ إلى التخطيط المركزي، خاصة إذا كان هناك آخرون - الصين والهند والولايات المتحدة - لم يسبق لهم أن خاضوا تجربة كهذه.
إن تدخل الدولة له ما يبرره بكل تأكيد. فالارتفاع المستمر في الغازات الدفيئة هو المثال الأكثر رعباً في التاريخ، وهو ما يعرف بـ«العوامل الخارجية»، وهي تكلفة لا تنعكس على أسعار السلع والخدمات نظراً لأن أطرافاً ثالثة هي من تتحملها، هذه الأطراف هي نحن جميعاً. يعني ذلك أن أفضل سياسة هي أن نجعل تلك «العوامل الخارجية» واضحة في كافة الأسعار. وأفضل الأدوات لتحقيق ذلك هي فرض ضريبة على الكربون أو وضع سعر عليه.
تستخدم أوروبا بالفعل هاتين الأداتين رغم أنهما غير كافيتين، فأوروبا لديها نظام لتجارة الانبعاثات. على سبيل المثال، تقوم الصناعات الملوثة، مثل شركات تصنيع الإسمنت أو شركات الطيران ببيع وشراء بدلات لانبعاث الغازات الدفيئة، مما يمنحهم حافزاً لجعل إنتاجهم أكثر نظافة. لذا فهم بحاجة إلى إنفاق مبالغ أقل على الشهادات أو الحصول على أموال مقابل بيع مخصصاتهم.
إنَّ أفضل فكرة لفون دير لين هي توسيع هذا النظام بشكل كبير. حيث سيتم تخفيض مخصصات شركات الطيران، التي تعد من بين أسوأ مسببي التلوث، مما يؤدي إلى زيادة تكاليف الكربون (وبالتالي أسعار التذاكر والتي ينبغي أن تؤدي إلى انخفاض أعداد رحلات الطيران)، وسوف يتم تضمين الشحن أيضاً. ومن الآن فصاعداً سيتعين على الشركات العاملة في العديد من الصناعات الاستثمار في التقنيات لخفض الانبعاثات، من أجل الحفاظ على قدرتها التنافسية. وهذه هي اقتصاديات السوق في أفضل حالاتها.
تُظهر السياسة نفسها أيضاً كيف يصطدم التدخل بالقيم الاقتصادية الأخرى مثل التجارة الحرة. فالأوروبيون بالفعل «يستهلكون» كمية أكبر من الكربون المنبعث من شركات الاتحاد الأوروبي. يمكنك أن ترى أن الاتحاد الأوروبي «يستورد» الكربون من بلدان أخرى، أو قد يستعين بـ«مصادر خارجية» لتصدير الانبعاثات لهم. وإذا أراد الاتحاد الأوروبي الآن رفع أسعار الكربون في أوروبا فقط، فستصبح شركات الاتحاد الأوروبي أقل قدرة على المنافسة مع باقي شركات العالم، وسيجري استيراد المزيد من الكربون، وسيفقد بعض الأوروبيين وظائفهم.
لهذا السبب فإن فون دير لين محقة في تخطيط «تعديلات حدود الكربون». فهذه هي بالأساس تعريفات جمركية على الواردات طبقاً لكمية انبعاثات الغازات الدفيئة المنبعثة من إنتاجها. يبدو ذلك بسيطاً، ولكنه يحتوي على الديناميت السياسي واللوجيستي. فقياس الكربون في الأشياء المصنوعة داخل الاتحاد الأوروبي أمر صعب بالفعل، إذ كيف سيجري حساب ذلك بالنسبة للبضائع الواردة من أماكن أخرى؟
فيما يتعلق بالسياسة، يمكن عرض الأمر على «منظمة التجارة العالمية» والقول إن التعريفات الجديدة لا تميز بين الحالات المختلفة. إذ إنها تهدف ببساطة إلى معاملة الشركات داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه على قدم المساواة، ودون تغيير أسعارها النسبية. لكن حاول أن توجه كلاماً كهذا إلى الصين أو الولايات المتحدة في وقت تقومان فيه بالفعل بمناوشات تجارية.
من حيث المبدأ، فإن سعر الكربون (أو الضريبة) المرتفعة يمثل في حد ذاته تدخلاً كافياً من الدولة لأن المستهلكين والمنتجين والمستثمرين سيتكيفون مع هذه الإشارة. لكن فون دي لين تريد أن تتجاوز إشارات الأسعار، وهذا هو ما يجعل الأمر صعباً. وتريد لين، على وجه الخصوص، توفير260 مليار يورو إضافية في السنة إلى أجل غير مسمى، وهو ما يجعل الأمر غير واضح.
إنه لشيء حميد أن يتولى القطاع العام التمويل، بما في ذلك بنك الاستثمار الأوروبي لتمويل البحوث الأساسية. فهكذا جرى اختراع الإنترنت وغيره في الولايات المتحدة. لكن الحكومات ليست أفضل من مستثمري القطاع الخاص، فهي عادة ما تكون أسوأ في اختيار التقنيات الفائزة. هل يجب على الاتحاد الأوروبي تولي الزمام في إنتاج البطاريات؟ ربما. لكن ربما أن خلايا الوقود هي المستقبل، أو شيء آخر لا يمكننا تحديده بعد.
لا ينبغي للحكومات اختيار الشركات الفائزة، ولكن هذا هو الخطر المتمثل في الوعود الغامضة بتقديم الدعم أو التدليل «للأبطال الأوروبيين». تعد فون دي لين بـ«سياسة صناعية»، وتزعم أنها ضرورية لمكافحة تغير المناخ والمنافسة مع الصين والولايات المتحدة. عملياً، ستدخل الشركات في منافسات أكبر كجماعات ضغط، لا كمبتكرين.
هذه هي المشكلة أيضاً في وصف المفوضية لشركات معينة بأنها أكثر فطنة من الناحية البيئية، وذلك لكي ينظر إلى أوراقها المالية على أنها «سندات صديقة للبيئة». هناك حديث عن البنك المركزي الأوروبي الذي يشتري بالفعل ما قيمته 20 مليار يورو من الأوراق المالية شهرياً للاحتفاظ بها بغرض خفض سعر الفائدة، وذلك لصالح السندات الصديقة للبيئة أمام السندات البنية (سندات المشروعات الضارة بيئياً).
إن التحدي الوجودي في عصرنا هو التوفيق بين البيئة والاقتصاد. وللقيام بذلك، يجب أن يهدف الاتحاد الأوروبي والعالم إلى إيجاد أكبر عدد ممكن من الأسواق والدولة قدر الإمكان. يكمن الحل في قدرتنا على تغيير أنماط حياتنا وفي قدرتنا على الابتكار من خلال إيجاد طرق تتجاوز زراعة الأشجار لامتصاص الكربون من الهواء؛ وبإعادة تصميم المدن حتى نتحرك بشكل أكثر كفاءة؛ وباستخدام طاقة أقل والحصول على المزيد منها من الشمس والرياح؛ والكثير غيرها.
*بالاتفاق مع «بلومبرغ»
8:37 دقيقه
TT
الاتفاق البيئي الأوروبي والديناميت السياسي واللوجيستي
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة