بوبي غوش
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»
TT

ترمب... أقل مشاكل «ناتو»

كان من المفترض أن يكون التجمع للاحتفال بالذكرى السبعين لإنشاء حلف «ناتو»، لكن المزاج السائد في اجتماع زعماء التحالف الأسبوع الماضي في لندن يمكن أن يكون أي شيء غير الاحتفال. لم يكن هناك مجال لإخفاء حقيقة أن «ناتو» يعاني من مشكلة عميقة، بل وجودية.
أكثر ما أظهر حالة عدم الارتياح كانت لحظات الغبطة القصيرة التي تخللت لقاء أعضاء حلف الناتو وما أعقبه من قلق بشأن دفاع الرئيس الأميركي دونالد ترمب المفاجئ عن الحلف على غير المعتاد. لكن الرئيس ترمب، الذي كثيراً ما تشكك في السابق في حلف «ناتو»، بدا وكأن مشاعره قد تغيرت فجأة، وهو ما يعني أن الأمور لم تصل إلى هذا الحد من السوء.
لم يكن دفاع ترمب عن التحالف كما يبدو أكثر من مجرد اعتراض قصد به مواجهة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي وصف حالة الحلف بـ«الموت الدماغي».
يجب أن ندين بالفضل للأمين العام لحلف «ناتو»، ينس ستولتنبرغ، الذي قام ببراعة بالتعامل مع ترمب وتهدئة نوبات الغضب التي أصابته. فقط شاهد شغف ستولتنبرغ خلال المؤتمر الصحافي المشترك وثناءه على فضل ترمب في زيادة الإنفاق العسكري وحثه لغيره من الأعضاء على الاقتداء به، وقد عبر عن ذلك بقوله إن «قيادتك لزيادة الإنفاق على الدفاع كان لها تأثيرها الحقيقي».
لكن سرعان ما تبينت شكوك ترمب مرة أخرى، إذ تساءل عن الإنفاق الدفاعي الضئيل لألمانيا وهدد بفرض عقوبات تجارية على الأعضاء الذين لا يساهمون ورفض الالتزام بالمادة 5 من معاهدة شمال الأطلسي، وهو البند الشامل الذي يتطلب من الأعضاء الدفاع عن أي دولة عضو تتعرض لهجوم.
ترمب هو ترمب، فهناك احتمالات بأن يحضر قمة «ناتو» القادمة ليلقي بقاذف اللهب.
حتى مهارات ستولتنبرغ الدبلوماسية لا يمكنها إخفاء المشاكل الأساسية - الفلسفية والعملية على حد سواء - التي تفسد عمل الحلف والتي تتجاوز حدود التشويش السابقة التي عانى منها «ناتو»؛ مثل انسحاب فرنسا عام 1966 من القيادة العسكرية المتكاملة أو الغزو التركي لقبرص عام 1974 والمواجهة مع اليونان.
أحد الأسباب المهمة التي جعلت «ناتو» يستمر طوال 70 عاماً هو التصور الشائع للتهديد الذي يمثله الاتحاد السوفياتي، وحاليا روسيا. لكن الأعضاء الأساسيين في التحالف لم يعودوا يتفقون على ذلك؛ إذ إن تركيا تشتري الأسلحة من موسكو، بما في ذلك أنظمة الصواريخ التي تعرض دفاعات الناتو للخطر؛ والرئيس التركي رجب طيب إردوغان أكثر تشككاً في نوايا أميركا من روسيا. كان ترمب مرتاحاً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو ما عبر عنه في كل فرصة، ووقف ضد نصيحة مجتمعه العسكري والاستخباري بأكمله، بينما بدا ماكرون متناقضاً في أحسن الأحوال.
لا يوجد إجماع على التهديدات الأخرى للغرب: الإرهاب والحرب الإلكترونية والصين. فقد اتهمت تركيا وفرنسا بعضهما البعض بإيواء إرهابيين، والانقسامات حول روسيا تهدد قدرة التحالف على الدفاع في مواجهة الهجمات عبر الإنترنت. ويرى بعض أعضاء «ناتو» أن الصين مصدر أموال أكثر منها مصدر تهديد.
حتى إن اتفقت معظم الدول الأعضاء على ما يشكل تهديداً، فإن ذلك لا يعني تلقائياً أن «ناتو» هو أفضل درع. فالحرب الإلكترونية تتطلب أساليب أكثر ذكاءً وسرية من قدرة التحالف على النشر، وتتطلب مكافحة الإرهاب استجابات سريعة ليست من ذلك النوع الذي تجلبه بيروقراطية عملاقة متعددة الجنسيات. قد تتطلب مواجهة الصين «منظمة شمال المحيط الهادي»، حيث تلعب الجيوش الأوروبية دوراً صغيراً فقط.
لا يعني ذلك أن «ناتو» لم يعد ذا صلة، فالصلة لا تزال موجودة كما كانت عند تأسيس الحلف، وهو التهديد القوي الذي تمثله موسكو. إن مطالبة جميع الأعضاء بالاعتراف بذلك والتصرف وفقاً له سيتطلب أكثر من مجرد اعتراف ستولتنبرغ الدبلوماسي، حيث سيتطلب الأمر قيادة سياسية من أكبر الدول الأعضاء. لكن لم يحدث في لندن الأسبوع الماضي أن سمعنا عن شيء يوحي بأن هذه القيادة موجودة.

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»