وكأنه كتب على كل قصة نجاح سعودية، أن تتعرض لنفس سيناريو التشكيك قبل أن تثبت حقيقتها وصدقيتها، وتقدم درساً في الإصرار والتخطيط وبلوغ الأهداف بدقة. هذه المرة أتت القصة من بوابة اكتتاب أرامكو؛ ففي كل إصلاحات المملكة التي قامت بها تُواجه بالتشكيك أولاً وثانياً وعاشراً، وكأن السعوديين غير قادرين على المضي في مشاريعهم حتى النهاية، وبينما الآخرون يتبارون في الإمعان في تفصيل السلبية وتعداد العقبات القادمة لا محالة، يتفرغ السعوديون إلى ما هو أهم.. إلى إنجاح مشاريعهم وخططهم وبرامجهم. وربما توّجت هذه السلسلة من التشكيك في المشاريع السعودية في خطط الطرح العام لأرامكو، فخلال 1429 يوماً، منذ كشف الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي عن خططه للطرح الأولي لجوهرة تاج النفط العالمي كجزء من برنامج الإصلاح الاقتصادي، وحتى إغلاق باب الاكتتاب الخميس الماضي مسجلاً أكبر اكتتاب في التاريخ، تكررت أسطوانة التشكيك بقدرة الحكومة السعودية على المضي في هذا الاكتتاب بألف صورة وصورة، وتبارت وسائل الإعلام الدولية لشن حملة محمومة لإثبات أن هذا الطرح ليس سوى حلم في الهواء، وأنكم أيها السعوديون محكومون بالفشل؛ فمن «مصادر تقول إن السعودية أرجأت خطط إدراج أسهم أرامكو محلياً ودولياً وتسريح المستشارين المختصين»، مروراً بـ«أرامكو ترجئ إطلاق الطرح العام الأولي المزمع على أمل أن تعزز نتائج الفصل الثالث الوشيكة ثقة المستثمرين بأكبر شركة للنفط في العالم»، بالرغم من أن المملكة لم تعلن أصلاً قبلها موعد الطرح فكيف تؤجله؟! وعلى هذا المنوال خرجت مئات القصص التي لا تختلف عن هذه.. البحث عن سلبيات تعيق الطرح بأي طريقة، لكن السعوديين لم يستمعوا لهم، سدوا آذانهم وغطوا أعينهم عمن يريد إحباطهم، فكانت النتيجة المبهرة بنجاح الاكتتاب وصولاً لكونه أكبر طرح عام في العالم.
شركة الزيت العربية السعودية، أو أرامكو، شركة عملاقة منذ ولادتها قبل 80 عاماً، وازدادت تعملقاً بعد نجاح الطرح التاريخي ووضع السعوديين بصمتهم الخاصة عليها، أليست هي أكبر شركة نفط في العالم، ومسؤولة عن نحو 10 في المائة من الإنتاج العالمي؟ أليست هي من كانت العام الماضي الشركة الأكثر ربحية في العالم، متفوقة على أرباح شركات مثل شركة أبل وجي بي مورغان تشيس؟ أليست احتياطيات الشركة السعودية من النفط السائل أكبر بنحو خمس مرات في العام الماضي من احتياطيات هذه الشركات مجتمعة: شركة إكسون موبيل ورويال داتش شل وبريتش بتروليوم وشيفرون وتوتال؟ أليس الكثير من نفط أرامكو موجوداً في الحقول التي يمكن التنقيب فيها عن النفط بسهولة، على اليابسة أو في المياه الضحلة؟ وأخيراً أليست هي في عام 2018 الشركة الأكثر ربحية في العالم، بإيراداتٍ صافية بلغت 111 مليار دولار؟
المملكة لديها برنامج تنويع اقتصادي كبير مبني على الاستدامة وفتح قطاعات اقتصادية جديدة وتطوير أسواق العمل من خلال هذا التنويع الاستراتيجي، وطرح أرامكو ليس سوى إحدى هذه الأدوات للوصول إلى هذا الهدف الاستراتيجي، وبالتأكيد هذا الطرح ليس النهاية فما زلنا في البداية، والفرص الاستثمارية للمستثمر المحلي والدولي في قطاع الطاقة ستكون أكبر مستقبلاً، والأهم من هذا كله أن السعودية بعد أربع سنوات من إطلاق رؤيتها 2030 مستمرة في الإيفاء بالوعد تلو الوعد، وما نجاح اكتتاب القرن إلا مثال صارخ آخر على التصميم لتنفيذ تلك الرؤية الطموحة، مهما كانت العقبات وأينما بلغت الحملات، ومن فاتهم الاكتتاب متخوفين ومشككين هذه المرة، سيعودون للاكتتاب مستقبلاً لكن بعد أن تصل قيمة الشركة إلى تريليوني دولار، وحينها سنقول لهم: وإنْ تأخرتم... أهلاً بكم في جوهرة تاج النفط العالمي.
8:49 دقيقه
TT
«الاكتتاب التاريخي» لم يكن حلماً
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة